ولقد أبيت على الطّوى وأظله
حتى أنال به كريم المأكلِ
عنترة بن شداد
منذ أن فتحت عيني على قضية البدون وأنا أسمع بأنها كرة ثلج تتدحرج، لا أدري كم قطعت كرة الثلج تلك من المسافات أثناء تدحرجها، لا أدري كم من الحجم بلغت تلك الكرة وهي تتدحرج، لا أدري متى ستتوقف عن التدحرج، وهل ستتوقف قسراً أم برغبتها ؟! كل تلك التساؤلات تحتاج إلى إجابة وافية، بل إجابات، وها هم أبناء القضية ينتظرون جهينة؛ ليأتيهم بالخبر اليقين، وبدلاً من أن يسعفهم الخبر اليقين يفاجؤون بمزيد من الأخبار الكاذبة بين الحين والحين من صحف وقنوات باتت تعشق الرقص على جراحاتهم، والتكسب من خلال قضيتهم، عن طريق مانشيتات كاذبة هي للإثارة وتحقيق زيادة في المبيعات أقرب منها للمصداقية ومتابعة القضية عن كثب، أو عن طريق برامج حوارية هي لدغدغة المشاعر أقرب منها لإيجاد الحلول، وبدلاً من أن يأتيهم جهينة ذو الخبر اليقين، يطل عليهم رئيس الجهاز المعني بحل قضيتهم؛ ليبشرهم بأن لا بدون في الكويت وأن جهازه المركزي الذي لا يختلف كثيرا عن عمل الجهاز البصري عند المكفوفين لديه من الأدلة والبراهين مايثبت أن من يدعون أنهم بدون هم مقيمون بصورة غير قانوينة، ويمتلكون جنسيات لدول أخرى؛ ليعيد القضية برمتها من جديد إلى المربع الأول، وليترك كرة الثلج المتدحرجة منذ أمد تستمر في تدحرجها.
يطل عليهم رئيس الجهاز المعني بحل قضيتهم، لا ليبشرهم بفرج قريب وحل يلوح في الأفق، ولا ليصبرهم ويذكرهم بأن النصر مع الصبر، ولكن ليمنّ عليهم ويذكرهم بالنعم التي تغدق عليهم ليلا ونهارا على حدّ زعمه، حتى أصبح المواطن الكويتي يتمنى لو أنه بدون، ويرفع أكف الضراعة مناجياً ربه (ليش ياربّ ما خلقتني بدون)!! أوَلا يعلم “فضيلته” بأن ما يؤخذ عنوة وعن طريق الضغط لامنّة فيه للمعطي ولا يحق له أن يتبجح بما أعطى؟! بل المنّة فيه على الآخذ الذي صبر طويلاً، حتى مارس ضغطه من أجل الحصول على تلك الحقوق لا الامتيازات، كما يحلو للبعض تسميتها، فكفوا رحمكم الله عن تكرار تلك الأسطوانة المشروخة من ذكر للتموين وشهادات الميلاد وشهادات الوفاة وإعفاء من الرسوم الصحية والتي تتمتع بها حتى بعض الحيوانات – أجلكم الله – في هذا البلد ، وحذارِ من كثرة المنّ بعد العطاء فقد يكون المنّ وبالاً على المانّ كما حصل مع الوزير الراشد، الذي تسبب من حيث شعر أم لم يشعر بخروج الآلاف إلى ساحة التحرير بعد لقائه الذي ملأه بالمنّ والتذكير بالمنح والأعطيات ظانّا أن من أجل ماذكر فقط تغضب الشعوب.
حين خرج البدون في فبراير الماضي، لم يكن همهم ورقة تثبت أنهم أحياء، ولا ورقة تثبت أنهم قد وسدوا الثرى، ولا كيس أرز أو طحين، فلا أحد منهم مات جوعا قبل تلك المنحة، ولكنهم خرجوا يحملون أعلام الكويت وصور سمو الأمير من أجل وطن يحبهم ويحبونه، من أجل وطن يبرون به رغم قلة ما أعطاهم مقارنة بغيرهم؛ ليثبتوا أن الولاء للأوطان لايكون بمبدأ المكافأة وقاعدة خذ وهات، وأن الفداء والتضحية للأوطان غير مرتبطة بالأوراق الثبوتية، بل بالمواقف الثابتة، خرجوا من أجل كرامة سلبت منهم، ولم يجدوها من ضمن الامتيازات – زعموا – التي منحت لهم بعد ذلك، فكفوا رحمني الله وإياكم عن ذكر التموين صبحة وعشيا، وارحموا عقول الناس قليلا، فلا شيء أثمن من الكرامة، ولا ألذ من الجوع إذا غلف بعزة النفس، واعملوا جاهدين على إيقاف كرة الثلج المتدحرجة، التي أتمنى أن أكون حيّا أرزق حين تتوقف عن التدحرج، فكم أعرف من الأحباب من مات، وكان يتمنى أن يراها متوقفة إبان حياته، لكن الأجل لم يسعفه، وها أنا ذا أتمنى الأمر ذاته.
أضف تعليق