كتاب سبر

الوشيحي يعترف: مخططي الذي فشل.. الدفع بأبي جعل

بعد أن فشلت الأدوية كلها في علاج فساد الحكومة السابقة، بما فيها المسكنات، وفشلت كل العمليات الجراحية لإسقاطها.. خطرت على بالي فكرة غريبة، فما للغرابة إلا الغرابة، ولا للحديد إلا الحديد. 
الفكرة كانت تقوم على مبدأ “وداوها بالتي كانت هي الداء”، إذ كانت الحكومة السابقة – وهي تلهو وتعبث بالبلد – تحرص على تفريق المجتمع وتمزيقه، عبر تكريس المنهج الاستعماري “فرق تسد”، لينشغل الناس في الحروب في ما بينهم وينصرفوا عن فسادها.
وكان “الجويعل” أو “أبو جعل” – أجل الله القارئ – كما أحب أن أسميه، هو أحد أدوات الحكومة وفاسديها ومفسديها، إذ أعطوه خنجراً مسموماً وأمروه بتجريح القبائل – التي تصدرت المعارضة – والاستهزاء بها والتقليل من شأنها، فراح ينكّل بالقبائل ويمعن التنكيل والتمزيق، وينزع عنها ثوب المواطنة، في حين أنه يعلم وغيره كثير من الناس يعلمون أن التجنيس في الفترة من 1970 إلى 1974 شمل كل الفئات، الحضر والقبائل والشيعة، وبنسب متقاربة.. وفي هذا كلام يطول.
المهم.. أراد الفاسدون ضرب القبائل بالقنبلة البيولوجية (في العسكرية تُسمى القنبلة القذرة لأن بعض أنواعها ينشر الأمراض والأوبئة) عبر إبراز “أبي جعل” في وسائل الإعلام، وتزويده ببعض الملفات وصور المتقدمين بطلب الجنسية (جلّهم من القبائل الشمالية) ليدخل من خلالها إلى القبائل الأخرى، ويصل إلى قبيلة مطير (الهدف المقصود) ومنها إلى قبيلة العجمان (المصنفة ثانياً في ترتيب أولوياتهم) وغيرهما من القبائل، وفي الوقت نفسه يتم الهجوم على من يحتج من الحضر والشيعة على هذه التصرفات، وكلهم – بالطبع – من المعارضة.
في تلك الأثناء، لاحظتُ في أكثر من ديوانية زرتها اشتعال الدماء في عروق أبناء القبائل غضباً، ورأيت الحرقة في صدورهم مما يتعرضون له، فأدركت أن أمراً ما سيحدث لا شك، لكن الناس لم تصل بعد إلى مرحلة الخروج إلى الشارع والتجمهر انتقاماً لكرامتها، وهو ما يمكن أن ندفع به نحن، أو نوجهه، إلى إسقاط الحكومة برمتها ونتانتها.
يوماً عن يوم تحترق الدماء أكثر وأكثر في عروق أبناء القبائل، وكان وزير الداخلية السابق الشيخ جابر الخالد يحرقها أكثر وأكثر معتقداً أنه بذلك يحقق إنجازاً ويعزز موقعه في عيون الفاسدين الكبار، يساعده في ذلك عدد من الكتّاب ووسائل الإعلام والنواب، وكان “أبو جعل” هو الأداة المستخدمة، وكنا نسكت خوفاً على البلد، وخشية أن نضرب الذبابة التي وقعت على الجوهرة فتنكسر الجوهرة، لكن الأمر طال، والحرائق بدأت تتسع رقعتها وتلتهم المحاصيل.. هنا بدأنا نفكر في الحل، فخطرت لي هذه الفكرة، فرسمت مخططاً يقوم عليها.
الفكرة، كما قلت في بداية المقالة، تقوم على مبدأ “وداوها بالتي كانت هي الداء”، والداء هو “أبو جعل”، فلماذا لا نستخدمه – هو نفسه – في ضرب الحكومة الفاسدة وأنصارها، تماماً كما كان يفعل الفييتناميون في حربهم ضد القوات الأمريكية، عندما كان الأمريكان يرمون القنابل اليدوية (كانت من النوع الذي ينفجر بعد عشرين ثانية لدواعي الأمن) على الفييتناميين، فيسرع الفييتناميون إلى حمل القنابل ويرمونها بسرعة على الأمريكان فتحصدهم.
كانت كل الظروف مهيأة لتنفيذ الخطة، لكن كارثة كبرى وقعت، عندما أُقيلَ وزير الداخلية جابر الخالد، الذي كان حلقة الوصل بين الفاسدين الكبار و”أبو جعل”، وبالتالي جف المنبع الذي كان يموّل أبا جعل ويدفعه إلى تأجيج الأوضاع بين أوساط القبائل! فضربت كفاً بكف، وأيقنت أن تنفيذ الخطة سيزداد صعوبة، لكنه ما زال ممكناً.
يومذاك، كان الناس يتباشرون فرحين بإقالة الخالد، وكنت أعض شفتي السفلى ألماً وحسرة، ومع ذا كانت “القنبلة القذرة” ما زالت موجودة، فالذي سقط هو من كان يُطلقها، وبالتأكيد سيظهر على السطح من يتبرع بإطلاقها، وبالفعل تبرعت قناة فجرية الغجرية بذلك، فاستمر غليان الدماء، وهو ما كنت أبحث عنه.
وفي السابق كانت خطتنا “تهدئة النفوس، والطلب من الناس عدم الالتفات إلى أبي جعل باعتبار أن هذا ما يريده الفاسدون”، وكان هذا هو الخطأ الذي ارتكبناه، فقد كان يجب أن نبرز أبا جعل أكثر وأكثر.. فبما ان إسقاط الشيخ ناصر المحمد وحكومته أصعب مما نتوقع، لذا علينا أن نحرص على أن “ينجح” أبو جعل في الانتخابات المقبلة، ليتكفل هو حينها بإثارة الناس، فتخرج الجموع وتسقط حكومة المحمد.. ولكي ينجح أبو جعل، علينا أن نعطيه حجماً أكبر من حجمه الحقيقي، فنتظاهر أنه يؤلمنا، وأننا نخافه ونخشاه، وأنه هو خصمنا، فيتحمس الطائفيون والفاسدون، من أمثال ذي الفاكس الملعون وحيدري وفجرية الغجرية والراشي والحكيم الأهبل ووو، فيدفعون به إلى الأمام، ومن الجهة الأخرى نطلب نحن ممن “نمون عليهم” في دائرته التصويت لصالحه، فينجح في الانتخابات، فننتقل إلى المرحلة الثانية من الخطة.
وكان توقيت انطلاق الخطة مع بدء فترة الانتخابات، وكان وكان وكان، لكن الحكومة الساقطة سقطت، فأغلقنا الملف، وقرأنأ “وكفى الله المؤمنين القتال”.
بقيت نقطة.. من باب عدم إنكار فضل الحشرات، نقرّ أن لأبي جعل فضل كبير رغم جهله، فقد كشف للناس حقيقة العدوة والحويلة وسعدون وعسكر ودميثير ودليهي وزنيفر واللميع والخنفور والبصيري وغيرهم.
شكراً أيتها الحشرة.. انتهت مهمتك.