كتاب سبر

ضاعت الطاسة

يسمع الكثير منا قصة الطاسة الضائعة، ويعرف القليل أصل هذه الحكاية، ففي عهد الأمير بشير الثاني الشهابي، أحد أمراء جبل لبنان، قام هذا الحاكم بتوحيد المكاييل، ووضع نظام الصاع، أي (الطاسة)، لتسهيل عملية مراقبة التجار والغش التجاري، والعودة إلى مرجع متفق عليه، عند نشوب الخلاف بين التاجر والمستهلك، وذلك عن طريق صناعة نموذج لـ ((طاسة)) ذات حجم ومقاس محدد، على جميع الباعه والتجار الالتزام به عند البيع والشراء، فتم إيداع (الطاسة) في مقر الإمارة… المهم، بعد فترة من الزمن، نشب خلاف على (الطاسة) التي يكال بها القمح (الصاع، بالبدوية الفصحى) بين عدد من التجار والمواطنين، فقرروا الاحتكام إلى الطاسة المحفوظة في مبنى الإمارة، لكنهم لم يجدوها، فقال الناس: (ضاعت الطاسة)، دلالة على انعدام المقاييس وضياع المعايير!
الواقع، أن قصة الطاسة الضائعة تعيد إنتاج نفسها بشكل دائم في أكثر من زمان ومكان، فلا نجد المعايير أو المقاييس الحقيقية عند الاختلاف على أمر معين، فتضيع الحقوق بين الأرجل، ويختلط الحابل بالنابل في كل مرة، وعلى الرغم من ضياع الطاسة، يوهم العديد من الكويتيين أنفسهم بمعرفة مكان الطاسة حق المعرفة، فيسلطون جام غضب وعجز وحقد هذا الوهم، تجاه (الأشخاص) متناسين المعايير والمكاييل الخاصة بالطاسة الموجودة في أوهامهم أساساً، لذلك تتحول انتقاداتهم الشخصية إلى شخصنة انتقائية فور كتابتها أو التحدث عنها!
أنا لست معجباً بالأشخاص، بقدر إعجابي بالأداء، فمؤخراً كُنت شديد الانتقاد لأداء أحد النواب الذين يجمعني بهم (رابطة مشتركة)، فتوهم العديد من أنصار وفداوية هذا النائب، أنهم على علم مسبق بـ(الطاسة) التي احّتكمت إليها عند انتقادي لنائبهم… أو قل (معزبهم) إن شئت، فراحوا يسوقون الشتائم والاتهامات تحت أسماء مستعارة، تعكس لي مدى جُبن هؤلاء في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، عن نفسي وبغض النظر عما تتوهمه هذه الفئة، فقد جعلت أداء ومواقف هذا النائب (الطاسة) التي يَحتكم إليها مِكيالي عند انتقادي له، فأبت الطاسة أن تحتمل صاعاً واحداً من هفوات وعثرات وخيبات مساعي هذا النائب، ما جعلني أنتقد وأنتقد وأنتقد وأنا قرير العين، مطمئن البال، ولأن دوام الحال من المحال، فبعد أن جاء (الحل)، والتصق مصطلح (السابق) باسم هذا النائب، وتم تزكية بديلاً عنه، سيظن بعض أصحاب النفوس المريضة، أن هذا (البديل) في منأى عن انتقادي وما كُنت أكتبه في حق (معزبهم)، مُعتقدين أن استبدال (المعزب) قضية مرتبطة وذات صلة رئيسية باستبدال (الطاسة) أيضاً، ولأن ما لا يعلمه (الضُعُوف)، هو أن الطاسة التي أحتكم إليها عند تقييم أداء الأشخاص، قديمة قِدم (طاسة) الأمير بشير، فهم بالنسبة لي تُجار ذلك العهد، وأنا سأكون بالنسبة إليهم، مُستهلكاً آخر، يحتفظ بـ (الطاسة) في عقله لا في مقر الإماره أو منزل النائب!  
لذا فلن أرضى أو أقبل بمجرد تغيير الأشخاص فقط، لكي لا أعود إلى المربع قبل الأول… وأكرر نفس السيناريو في كُلِ مرة، فأنا أتوسم في البديل كُل خير، وأتمنى ألا يُخيب الله ظني فيه، ومتى ما صح خلاف ذلك، وأنتهج البديل سياسة المستبدل، وسلك دروب الخُزي السياسي، والعار البرلماني كسابقيه، فأقسم أن يقرأ عني ما يكره، ويسمع مني ما لا يرضى، ويرى بي مرآة تعكس وتترجم كُل خطوه يقوم بها على أرض الواقع!
                                                                               
                                                                  ******
يقول المولى عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) ، ويقول رسولهُ الأكرم: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)، لذا فمن حق البديل علينا أن نُحسن به الظن، ومن حقنا عليه أن يكون عِند حسن ظنوننا، فالمهمه كُبرى وإستثنائيه في هذه المرة، إذ كان لزاماً عليه أن يُمثل الدائرة تمثيلاً يستوعب موجة الوعي العارمة، ويتماشى مع صحوة العقول المستنيرة، فالتحدي الحقيقي يكمن في التمكن من محو الشوائب عن سيرة شُوِهَتَ سياسياً، بفعل أشخاص كانوا ولا زالوا قبل وبعد وصولِهم للبرلمان محسوبين على الحكومة، ساسة لا يفقهون من السياسة شيء، نواب عن أنفسهم فقط، أعضاء أقرب إلى المناديب من التمثيل والمراقبة والتشريع، سماسرة للمكتسبات الشعبية، مرتزقه عند المواقف الوطنية، سياسياً … هم أشباه رجال، إجتماعياً (الله ربي وربهم)!
 
‏FaisalBnOmer@