كتاب سبر

“سدد السهم فأصمى إذ رمى”

في ستين ألف سلامة، عام 2011، عام الثورات وانكشاف العورات، روح والقلب داعي لك، لملم أيامك المتناثرة المتفاخرة.. في تونس، وفي مصر، وفي ليبيا، وخذ يوماً هنا لم تزل شمسه، ثم مر على البحرين وخذ يوماً كُسف في ليلته القمر خجلاً وتوارى.. ونسألك بربك الذي خلقك لنا، وخلق إخوتك علينا، أن تترك لأهل سوريا يوماً واحداً يطلون من شرفته على الحياة، ويرجمون به الطغاة، يوماً أبيض كوجهك لا ليل فيه.. تشرق شمسه وتغيب مع مغيب سنورها الأخبل.
أيها العام المبجل سمعنا من الأولين – ممن عاصروا إخوانك – أن أباكم الدهر ليس إلا (سنون مجتمعة) وكدنا نكذب ما سمعنا حتى خرجت تقول إن الذي خلف ما مات، فعضضت الطغاة عضةً فصرخوا، وسمعتهم الأرض و”من بإذنه صمم”.
أوصِ أخاك الذي جاءنا يتمطى بيده سيف لا ندرى هو لنا أم علينا، وخلفه ساعاته تركض بعقاربها، وسمومها.. أوصه بنا خيراً.. قل له وهو يضع رجله على تخوم أرضنا، وطولنا، وعرضنا، أننا لقبناك – أنت – عام الحرية، وتوجناك ملكاً على أيام العرب كلها.. بعظيمها كعام الفيل.. ولئيمها كعام الرمادة.. ولظيمها (الذي هو خليط من اللؤم والعظمة) كعام النكبة..أمسكه واحكي له القصة من طقطق لسلام عليكم، أو من يناير إلى ديسمبر.
قل له إن العرب ساعة قدمت عليهم، فتحوا لي كل أبوابهم المغلقة، وسموني ربيع الدهر، وألبسوني التاج، واصطفوا خلفي، وأمامي، وعن يميني، وشمالي، كأنهم يتجهزون لمعركة أنا ملهمها.. فجمعوا – وأنا فاتح فمي مدهوشا ً- لأمة الحرب، وضمّروا جيادهم، وسنوا رماحهم وسنانهم.. وقالوا بصوت واحد بسمك اللهم نحيا ونموت.. اذكر له ما واجهت كما ذكرنا عنك ما واجهنا.
قل له إنك سمعت سمع الأذن صلّ سيوف العرب، وضبح عادياتهم، وحفيف أشجارهم، وفحيح رجالهم، وأهازيج نسائهم، وأصوات دهمائهم “الرحيل الرحيل” وهمهمات قادتهم “النجاء النجاء”.
قل له إنك رأيت بأم عينك وأبيها وجميع أقاربها بريق نجم العرب في السماء، وبرق عيونهم في المحاجر، وخبيئة داخل قلوبهم لم يفضحها إلا دمع كأنه سيل حط من أباطح. 
احكي له بداياتك، وأنت بينهم تتفتق كأنك زهرة الحياة الدنيا وزينتها؛ لتدرك ثاراتهم التي بدأت مع بدايتك ناعسة كأنها العروس صبيحة دخلتها، تتدلع تارة، وتتمنع تارة، مطالبها صغيرة وليدة اللحظة، حقيرة أو محتقرة لا يرفع لها القبيل رأساً، وفجأة أفاقت من غيبوبتها ورأت حواليها كماً من الأيامى، واليتامى، والثكالى، ورأت ثارات أكبر مختبئة خشية أن تردي منجدها، وأخرى مدسوسة، وثالثة منحوسة لم يقدر الله لها رجالاً فينصروها.. تشابه الحرب “متى تبعثوها تبعثوها ذميمة وتَضْـرَ إِذا ضَرَّيتمـوها فتَضْـرم”.
تشابه هذا الشعب حين انتفض… وبدأ يبحث عن الأذى الذي تعلق ثيابه، فلما نظفها وضعها على الشماعة، وفتش في ظاهر بدنه عن القراد الذي تغذى على دمائه، وأقلق منامه، وأفسد أحلامه، ثم توغل أكثر إلى استخدام مبضع كأنه الجراح فشرط وطنه من الترقوة إلى السرة وأخرج علته الباطنية وخاطه، ثم ابتهل إلى سيد الجميع “بشفاء لا يغادر سقما”.
تشابه مطالبه.. التي بدأت بالإصلاح فاكتشفت أنه مستحيل، ثم عطفت على الرحيل واكتشفت أنه غير كافٍ، ثم أضافت إلى الرحيل المحاكمة فاكتشفت أن في الزوايا خبايا وفلول وأهل غلول ووضعتهم في القائمة.
ولا تنسى أيها المبجل وأنت تلم شعثك، وتسرح شعرك، وتنادي أيامك، مستعيذاً بربك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر والمخبر، أن تقول لأخيك أنك بخبرتك التي عمرها 12 شهراً اكتشفت أن الناس حين تنتفض لحريتها فإنها تنتفض معاً، لا سبق لحضري على بدوي، ولا يتقدم كبير على صغير، ولا يفضل مليء على معدم، ولا يبز رجل امرأة أو يبتزها أنها ناقصة حمية وولاء… فالناس على هذا –أخبره- تنتفض بغير قائدـ، وتعرف طريقها إلى “الربيع” من غير رائد، وإذا لم يعرف من هو الرائد قل هو رجل كان هؤلاء العرب يبعثونه ليجس مواضع القطر ومنابت الشجر، وإذا كان الرائد لا يكذب أهله، فإن العرب لا تخذل حريتها، قل له يعلق هذه حلقه في أذنه، وعن إذنك لملم أيامك، ودعنا نستقبل أخاك.
zalfaleh@Twitter
Zaid_alfaleh@hotmail.com