جرائم وقضايا

دراسة للمحاميين فواز الجدعي وبدر بجاد
حكم أول درجة في قضية الشيكات ضد المسلم.. مخالف للدستور

 الحكومة اعترفت بحق النائب في تقديم مستندات لتدعيم صدق ادعائه 
 
أعد المحاميان فواز الجدعي وبدر بجاد دراسة حول الحكم الصادر في قضية الشيكات ضد النائب السابق د.فيصل المسلم. 


تكمن اهمية هذه الدراسة ان الحكم محل البحث هو الحكم الصادر ضد النائب فيصل المسلم بصفته متهم ثاني في الدعوى المرفوعة عبارة عن تفسير جديد للحصانة الموضوعية ولكن ليس تفسيرا موسعا لهذا الحق الدستوري انما هو عبارة عن تفريغ الحصانة الموضوعية من محتواها ويكون من اهم نتائج هذا الحكم ان النائب بات مؤاخذا على آرائه وافكاره داخل قبة عبدالله السالم بالمخالفة للدستور الكويتي والاحكام المستقرة والاعراف البرلمانية والاتفاقيات الدولية والاهم مخالفة الارادة التي توجهت اليها الأمة عند صياغة الدستور من كفالة حق النائب بالتعبير عن آرائه وافكاره وان تضمن استدلالا تقوم معها اسباب عرض المستندات وان اعتقد اصحابها بسريتها فلا يجوز كما نصت المحكمة الدستورية ان تقيم جدارا من السرية امام حق النائب الاصيل وفق احكام الدستور بالرقابة ممثلا عن الأمة.
 
وان كانت القاعدة المقررة أن الحكام القضائية هي عنوان الحقيقة إلا إن هذه الدراسة من باب الحق في استعمال حرية التعبير فيما يتعلق بالنقد الأكاديمي والبحثي، كما تأتي تطبيقا لنص المادة 147 من قانون الجزاء الكويتي انه (ولا جريمة إذا لم يتجاوز فعل المتهم حدود النقد النزيه الصادر عن نية حسنة لحكم قضائي سواء تعلق النقد باستخلاص الوقائع أو تعلق بكيفية تطبيق القانون عليها).
 
 إفشاء الاسرار
 
 والديباجة: لقد حكمت المحكمة في الجلسة المنعقدة في المحكمة الكلية / دائرة الجنح بتاريخ 30/3/2011 على كل من 1- ….. (المتهم الأول) و 2- فيصل علي المسلم ( المتهم الثاني) : أولا: بتغريم كل من المتهمين مائتي دينار وذلك عن تهمة إفشاء أسرار مصرفية والاشتراك فيها. ثانيا: .. ، ثالثا: … ، رابعا: … . وذلك في الدعوى المرفوعة من قبل النيابة ا لعامة بناءا على الشكوى المقدمة من وكيل الشاكي بتاريخ 9/11/2009 برقم 963/2009. وقد عوقب المتهم الأول كفاعل اصلي على جريمة إفشاء أسرار مصرفية بالمخالفة لنص المادة (85) مكرر من القانون رقم 28 لسنة 2004 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 32 لسنة 1968 بشأن النقد وبنك الكويت المركزي وتنظيم المهن المصرفية. بينما عوقب النائب فيصل المسلم وفق نص المادة (48) من قانون الجزاء باعتباره مشتركا مع المتهم الأول بطريق التحريض والاتفاق والمساعدة في ارتكاب الجريمة موضوع التهمة الأولى والثانية قبل وقوعها بأن حرضه واتفق معه على ذلك.
 
وقد ذهب قضاء المحكمة في قضية النائب المسلم الى القول بأن (وتشير المحكمة الى ان ما أتاه المتهم الثاني من فعل المساعدة في افشاء المعلومات المصرفية بجلسة علنية داخل مجلس الأمة وبما تحقق به العناصر القانونية لهذه التهمة يعد فعلا مؤثما اتاه العضو داخل “قاعة المجلس” وتجوز مساءلته عنه ولا تشمله الحصانة البرلمانية… ولا ينال من ذلك ماقرره المتهم الثاني بالتحقيقات من انه كان يمارس صلاحياته في مراقبة ومحاسبة اعمال اعضاء السلطة التنفيذية)
 
 هذه العبارة تعتبر تفسيرا معدلا لما استقرت عليه فكرة الحصانة الموضوعية فقها وقضاء بل ويتعارض بشكل مباشر مع الكثير من المبادئ التي استقر عليها القضاء الكويتي.
 
 الحصانة الموضوعية
 
 الحماية الدستورية: إن نصوص مواد الدستور خصوصا فيما يتعلق بالعلاقة بين السلطات هي نصوص ملزمة لكافة السلطات بما فيها السلطة القضائية كمشرفة على صحة تطبيق النصوص الدستوية وضامنة كواجب دستوري بأن تلحق التطبيق بالنص وان تضمهما ضما كاشفا لما قررته نصوص الدستور وليس منشأً لحق جديد لم يعرفه المشرع الدستوري ولم تتجه اليها ارادة الأمة.
 
وسوف نفصل الحماية الدستورية بالنسبة للواقعة وفق الاتي:
 
أ- الحصانة الموضوعية: فعندما ذهبت إرادة الأمة الى اعطاء عضو البرلمان حق الحرية في ابداء الاراء والافكار في مجلس الأمة او لجانه وفق نص المادة 110 (عضو مجلس الأمة حر فيما يبديه من الأراء والأفكار بالمجلس او لجانه ، ولا تجوز مؤاخذته عن ذلك بحال من الاحوال) فتم اعطاء المشرع هذه الحصانة ولو نتج عن ذلك ان قام النائب وارتكب مخالفة لأحد نصوص التشريعات الكويتية ولكن باعتبار هذا الحال استثناءا دستوريا ملزما قامت اسبابه بقيام الرغبة في اعطاء المشرع كامل الحرية بمناسبة رقابته لأعمال السلطة التنفيذية. فهذا النص هو رسالة والزام واضح للسلطة القضائية على وجه الخصوص لان في دولة القانون لا تكون المؤاخذة الا بالاحكام القضائية وما يسبقها من اجراءات جزائية ، فحرص المشرع الدستوري على الزام جميع السلطات بما فيها القضائية على عدم المساس بهذا الحق الدستوري الاصيل المستمد من الدستور للنائب بصفته ممثلا عن الأمة مصدر السلطات وفق نص المادة 6 من الدستور الكويتي.
 
والحصانة الموضوعية خلاف ما جاء به قضاء المحكمة في حكم ادانة النائب فيصل المسلم تشمل الاقوال والافكار وتشمل ايضا الاستدلال واثبات الوقائع بالأدلة اذا ماكانت هذه الاراء والافكار عبارة عن اتهام موجه الى احد اعضاء السلطة التنفيذية وفق الأدلة الأتية:
 
أولا : إذا كانت الحصانة الموضوعية تنصب على الأقوال التي يبديها العضو داخل قبة البرلمان فإن ذلك كان بمقتضى جعلها الوسيلة الممكنة للعضو لمراقبة أعمال السلطة التنفيذية ومحاسبتها إعمالا لمبدأ المراقبة والمحاسبة , فالأقوال التي يبديها عضو المجلس قد تثير مسؤولية الوزير أو رئيس مجلس الوزراء متى ما تضمنت إثارة قضايا تدين أحدهما أو تجعله محل اتهام من قبل مجلس الأمة ومن ثم تستوجب محاسبته بتفعيل أداة الاستجواب تمهيدا لطرح الثقة بالوزير أو عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء حال ثبوت التهمة السياسية في أحدهما  , ولا يمكن للعضو إثبات أقواله إلا عندما تقترن تلك الأقوال بإثباتات مادية من مستندات وأوراق تدين الوزير محل المساءلة  وبالتالي لو سلمنا جدلا بأن الحصانة الموضوعية تقتصر على الأقوال دون أن تمتد إلى ما يقدمه النائب من مستندات ووثائق فإن ذلك سيحجم النائب أو يجعله مترددا  عن تقديم أي مستند يحتمل مساءلته قضائيا وبالتالي سيقتصر النائب عن إبداء أقوال مرسلة لا قيمة لها طالما كانت غير مدعمة بالمستندات والوثائق الرسمية وبالتالي لن يكون بمقدور النائب إقناع ممثلي الأمة بإدانة وزير من الوزراء بأقوال مرسلة.
 
ولذا فإن المنطق القانوني السليم الذي يمكن استخلاصه من النص الدستوري في المادة 110 هو أن الحصانة الموضوعية وان كانت أقوال وآراء وأفكار يبديها العضو داخل البرلمان دون الأفعال إلا أنه لا يخرج عن مفهومها تقديم العضو للمستندات الدالة على إثبات القول ويمكن اعتبارها جزءا من القول طالما أنها كانت في معرض إثبات القول ومن ثم تشملها الحصانة الموضوعية.
 
 
 غموض النصوص
 
 ثانيا : المبدأ القانوني المستقر عليه أنه حال وجود غموض أو لبس في نص من النصوص الدستورية أو حالة انقسام في الرأي حول مفهوم نص دستوري فإنه يتم الرجوع للأعراف الدستورية المفسرة وهي التي تنشأ إلى جواز النص الدستوري الذي يكتنفه بعض الغموض أو الإبهام فيزيل ذلك الشك حول مضمونه , وبالنظر لمرحلة تكوين العرف الدستوري فإنه يجب توافر الركن المادي المتمثل في تكرار الواقعة من قبل احد أعضاء السلطات العامة والركن المعنوي والمتمثل في الاعتقاد بإلزامية الواقعة , واكتفى الفقه بعنصر الإلزامية حال عدم معارضة السلطات العامة لتلك الواقعة الدستورية ولو بحثنا في مدى تواجد عرف مفسر للمادة 110 فسنجد توافر ذلك العرف الدستوري المفسر لتواجد ركنيه المادي والمعنوي، فجلسات مجلس الأمة مليئة بالوقائع التي تثبت قيام بعض النواب في المجلس بتقديم مستندات يتم الحصول على بعضها بغير الطرق القانونية ودون ان تثار مساءلتهم قانونيا أو منعهم من الإفصاح عنها , أيضا تثبت أحد جلسات الاستجواب تقديم أحد الأعضاء صورا تمس بعض المواطنين وكان عرضه للصور في معرض إثبات أقواله التي تدين الوزير والتي تثبت فسادا واقعا في وزارته وبالتالي فإنه يتوافر سوابق برلمانيه تتمثل في قيام العضو بتقديم مستندات لم يتم الحصول على بعضها بالطريق القانوني وذلك بهدف إثبات القول  وهذا ما يمكن اعتباره ركنا ماديا للعرف المفسر. أما الركن المعنوي للعرف المفسر فيثبت بعدم معارضة السلطات العامة , ولو طبقنا حادثة تقديم الشيك من النائب فيصل المسلم لوجدنا أنه لم يعترض أيا من أعضاء السلطة التنفيذية أو التشريعية عن واقعة تقديم الشيك  , بل لم يكتفى بعدم المعارضة وانما وجدنا حثا وتحريضا من قبل الحكومة لتقديم الشيك لإثبات قوله وكان ذلك على لسان وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء آنذاك السيد روضان الروضان بل ووجدنا أيضا قبل ذلك  نواب في البرلمان في لقاءات تلفزيونية عديدة تحث النائب المسلم لتقديم الشيك لتدعيم صدق ادعائه.
 
يضاف الى ذلك ان النائب لم يجد اي اعتراض فقد سلم صورة الشيك لأمانة المجلس وقام الموظفون بعرض الشيك عبر جهاز العرض داخل قبة عبدللة السالم.
 
والأهم من ذلك كله ان الحكومة لم تعترض ولم تطلب حذف واقعة عرض الشيك من المضبطة التي تصادفت بعد مرور اسبوعين من الجلسة فلقد تم التصديق على المضبطة وفيها واقعة العرض مما يستنهض معه غلبة الظن ان الحكومة نفسها كانت مؤمنة ان النائب كان يمارس صلاحياته وفق الاطر الدستورية المقرر والاعراف البرلمانية المستقر عليها في اغلب الدول.
 
 
 الرقابة السياسية
 
 ثالثا : يمارس رئيس مجلس الأمة ونواب المجلس رقابة سياسية  مقتضاها احترام نصوص الدستور ومنع أي نائب يخرج عن النصوص الدستورية في المجلس احتراما للدستور, وهذه الرقابة السياسية مستقر العمل بها في الكويت وفي الأنظمة الدستورية, ولو كان إظهار الشيك من قبل النائب المسلم لتدعيم قوله بصحة وجود شيكات صادرة من رئيس مجلس الوزراء لنواب في المجلس يعد مخالفا للنصوص القانونية وخروجا عن الحصانة الموضوعية للنائب لاستخدم رئيس المجلس صلاحياته اللائحية بلفت نظر العضو ومنعه من تقديم الشيك.   فإن كان العضو حرا فيما يبديه من الأراء والأفكار الا انها ليست من دون ضابط ، فلو خرج النائب عن حدود المألوف في الجلسة فللبرلمان ان يطبق عليه النصوص الوارد في اللائحة الداخلية لمجلس الأمة في المواد 86 ،87 ،88 ،89، من: 1- انذار 2- توجيه اللوم- 3- منع العضو من الكلام بقية الجلسة- 4- الاخراج من قاعة الاجتماع 5- الحرمان من الاشتراك في اعمال المجلس ولجانه مدة لاتزيد عن اسبوعين.
 
فلو كان هناك شعور بأن ماقام به النائب امر مستهجن ويخرج عن قواعد المساءلة السياسية اثناء مناقشة الاستجواب لقام رئيس المجلس بتطبيق النصوص اللائحية السابقة على النائب المسلم وهو الأمر الذي لم يقع بل اتيحت له فرصة عرض الشيك ولم تطبق عليه اي عقوبة لائحية وهو ما يجعل اظهار وعرض الشيك في المجلس من صلاحيات النائب بمناسبة ممارسته اختصاصاته الدستورية في مراقبة الجهاز التنفيذي.
 
الاحكام القضائية
 
 رابعا : نستخلص من عدة  أحكام قضائية ومن أقوال المختصين في القانون الدستوري اتجاها موسعا في مفهوم الحصانة الموضوعية  وجعلها مطلقة لدرجة أنها  أدخلت ألفاظ السب والقذف والتي لوصدرت من الإنسان العادي لتمت محاسبته جنائيا  بخلاف الحكم القضائي السابق والذي جعلها مقيدة ودون أن يورد التسبيب القانوني المناسب لهذا التقييد، وسنذكر الشواهد الدالة على ذلك :
 
-1 الأحكام القضائية: مثال في الدعوى المرفوعة امام محكمة الاستئناف برقم 1278/2010 مدني 3 قررت المحكمة انه:
 
(وحيث إنه عن الموضوع وكان من المقرر وفقا لنص المادة 110 من الدستور الكويتي أن عضو مجلس الأمة حر فيما يبديه من الآراء والأفكار بالمجلس أو لجانه ولا تجوز مؤاخذته عن ذلك بحال من الأحوال . وكان من المستقر عليه أن قاعدة عدم المسؤولية عن الأعمال البرلمانية من القواعد التي استقرت عليها التقاليد البرلمانية فبدونها يستحيل على النائب أن يشعر بالحرية والطمأنينة وهو يؤدي عمله وتعني هذه القاعدة أن ممثل الأمة لا يمكن مساءلته جنائيا أو مدنيا عن أفكاره وآرائه وأقواله التي يبديها داخل مجلس الأمة أو لجانه وتكون لازمة لأداء وظيفته النيابية وإن تضمنت سبا أو قذفا في حق الغير فلا النيابة العامة تستطيع أن تحرك الدعوى العمومية ولا المضرور يستطيع أن يطالب بتعويض عما أصابه من سب وقذف ولكن المجلس يستطيع مؤاخذة النائب في الحدود التي تقررها اللائحة الداخلية إذا وجد أنه قد تعدى الحدود المشروعة … فأيا كان وجه الرأي في تلك العبارات لا يسأل المستأنف ضده جنائيا ولا مدنيا عنها طالما أنه أبداها داخل المجلس وبمناسبة وظيفته النيابية مما تكون الدعوى أقيمت على غير سند من أحكام الدستور خليقة بالرفض) فوفق هذا الحكم لا يجوز ان يؤاخذ العضو عن اعماله البرلمانية بأي حال من الأحوال فلا يساءل النائب جنائيا ولا مدنيا من قبل اي شخص قد تضرر من جراء قيام النائب بممارسة عمله البرلماني، فلا النيابة العامة ولا المضرور يملك تحريك هذا النوع من الدعاوى بأي حال من الأحوال، ولا رادع كما جاء في الحكم في هذه الحالة الا بمعاقبة النائب وفق الجزاءات اللائحية كما اسلفنا.
 
 الحصانة المطلقة
 
 -2 آراء الفقه:  لقد استند الفقه تأصيلا على نصوص الدستور وتطبيقات القضاء على تحديد معنى الحصانة الموضوعية تحديدا واضحا لا لبس فيه.
 
فذهب الدكتور عثمان عبدالملك الى القول انه:
 
“هذه الحصانة مطلقة .. ضد المسئولية الجنائية والمسؤولية المدنية والسياسية، كما انها مستمرة او دائمة او ممتدة بمعنى انها تستمر وتمتد الى مابعد انقضاء العضوية او انتهائها لأي سبب من الأسباب” (الدكتور عثمان عبدالملك، النظام الدستوري والمؤسسات السياسية في الكويت، مؤسسة دار الكتب، الطبعة الثانية 2003 ص 576)
 
وقال ايضا : “ وله في حدود ذلك ان يبدي ما يشاء من الأقوال والأراء والأفكار مهما حملت في ذاتها من جرائم معاقب عليها لو انها صدرت من فرد عادي، فله ان يتهم موظفا او وزيرا او زميلا له بالتزوير او الرشوة او استغلال النفوذ او بالخيانة او ما الى ذلك دون ان تثار مسؤوليته الجنائية او المدنية، لأن الدستور يحصنه من هذه المسؤولية” (عثمان عبدالملك، مرجع سابق ص 575) وذهب فقهاء آخرون الى القول: “فالحماية مقررة للأمة ممثلة بممثليها في البرلمان فلو ارتكب عضو جريمة سب او قذف داخل البرلمان او احد لجانه فأن هذا الفعل يخرج لاعتبارات الصالح العام استثناء من دائرة عدم المشروعية الى دائرة الفعل المباح بل واللازم في بعض الاحيان ان كان من مقتضيات المراقبة والحساب المقررة دستوريا. فهي ليست امتيازا ايضا لشخص عضو البرلمان انما هي مقررة كدعامة اساسية للوظيفة النيابية لصالح المجتمع ككل.” (دكتور رمضان بطيخ، الحصانة البرلمانية وتطبيقاتها في مصر، دار النهضة العربية،1994  ص 12) ايضا (محمود ابو السعود حبيب، ضمانات اعضاء البرلمان في الدستور المصري، دار النهضة العربية، 2000 ص 57). “فالمشرع قد وازن بين مصلحتين، مصلحة العمل النيابي وتمثيل الأمة تمثيلا صادقا مع مايتطلبه ذلك من ضرورة ان تقف السلطة التشريعية موقف الند او الشريك القوي مع بقية السلطات الاخرى لإدارة دفة الحكم، ومصلحة من اضير من جراء ما صدر عن عضو البرلمان من قول او فكر ، ثم رجح وهذا امر طبيعي المصلحة الاولى على الثانية باعتبار انها اكثر اهمية” (رمضان بطيخ، مرجع سابق ص 45) بل انه استقر الفقه والقضاء على ان العضو لا يسأل عما بدر منه من اقول و افكار حتى بعد انتهاء عضويته لأي سبب كان.
 
“ فإن الحصانة ضد المسؤمولية البرلمانية تغطي ليس فقط جميع اعضاء البرلمان الحاليين سواء أكانوا منتخبين ام معينين، وانما تغطي كل ماصدر من قول او رأي عن عضو البرلمان الذي انتهت مدة عضويته في المجلس او مدة نيابته للأمة” (رمضان بطيخ ،مرجع سابق ص 52) فالحصانة الموضوعية هي مقررة لممثل الأمة عما يبديه من رأي او قول بمناسبة ممارسته العمل البرلماني وان كان هذا القول او الرأي يشكل جريمة طالما انه مارسها في البرلمان او احد لجانه.
 
“ففي هذا النطاق يتمتع عضو البرلمان اذن بحرية واسعة، اذ له ان يقول ما يشاء مهما تضنت من سب او قذف او دعوة لارتكاب جريمة او تحبيذ لمثل هذه الاعمال او حتى دعوة الى الإضراب او الثورة”(رمضان بطيخ، مرجع سابق ص 56)
 
وبناء عليه ذهب الفقه وهو ما يوافق صريح الدستور واحكام القضاء الى انه لا يملك ذوو الشأن ولا النيابة العامة تحريك اي دعوى بحق النائب مدنيةً كانت أو جنائية:
 
“فان ماهو ممنوع على القضاء في مثل هذه الحالة هو استدعاء عضو البرلمان لسماع شهادته او لمناقشته فيما ابداه من قول او رأي في البرلمان بمناسبة مباشرته للعمل النيابي. فلو ان هناك نائبا عمد الى التشهير بخصم له و إغراقه بسيل من السب والقذف ظلما وعدوانا، فإن المجني عليه لا يستطيع اللجوء الى القضاء لمخاصمة هذا العضو عما ابداه من قول او رأي في حقه، كما ان النيابة العامة او القضاء لايستطيع ان يستدعيه لسؤاله عن هذا السب والقذف احتراما لحصانته النيابية”(رمضان بطيخ، مرجع سابق ص 60) وفي هذا المعنى ايضا (حكم محكمة الاستئناف الكويتية رقم 1278/2010 مدني 3) انظر ايضا(محمود ابو السعود، مرجع سابق ص 67).
 
 
 تنقيح الدستور
 
 خامسا: مما يدلل على أن المشرع الدستوري أراد للحصانة الموضوعية أن تكون واسعة للحد الذي يكفل الحرية الكاملة للعضو بمراقبة السلطة التنفيذية ومحاسبتها ودون أن يخشى أية محاسبة قضائية أن لجنة النظر في تنقيح الدستور في عام 1980 قد رفضت مطلب الحكومة في تعديل المادة 110 إلى النص الآتي:
 
 “عضو مجلس الأمة حر فيما يبديه من الأراء والأفكار بالمجلس او لجانه، ولا تجوز مؤاخذته عن ذلك بحال من الأحوال. ولا يسري ذلك في حالة القذف والسب او التحريض على ارتكاب الجرائم او تحبيذها”
 
وبما ان الدستور لم ينقح، فيكون بمفهوم المخالفة ان للعضو ان يتهم اي وزير او نائب بالرشوة او التزوير وله على سبيل الأستدلال ان يعرض ما لديه من الأدلة سواء في جلسة البرلمان او خارجه طالما كان في معرض المراقبة مما يتسنهض معه غلبة الصالح العام وليس مجرد المساس الغير مبرر بالأشخاص.
 
 
 ب- الفصل بين السلطات:
 
 المادة 50 من الدستور قررت انه “يقوم نظام الحكم على اساس فصل السلطات مع تعاونها وفقا لاحكام الدستور ولا يجوز لأي سلطة منها النزول عن كل او بعض اختصاصاتها المنصوص عليه في هذا الدستور.”
 
يلاحظ  ان الحكم قد عمد الى توجيه النائب فيصل المسلم توجيها مباشرا عندما نص في صفحته الـ 15 الى القول:” وكان الأجدى والأولى به (المتهم الثاني) ان يخفي المعلومات الثابتة بصورة الشيك والتي تمس الحياة الخاصة لصاحبه”
 
وهذا الأمر يتعارض مع نص المادة 50 من الدستور المقررة لمبدأ الفصل بين السلطات فلا يحق لسلطة ان تتدخل بأعمال سلطة اخرى وان توجه لها طريقة القيام بأعمالها توجيها ينفي معه حقيقة الفصل بين السلطات لأن موضوع الدعوى ليست متعلقة بشخص النائب فيصل المسلم ولكن متعلقة بصفته كعضو في البرلمان وبمناسبة ممارسته لعمله داخل المجلس فيعد هذا التوجيه تدخلا من قبل السلطة القضائية في صميم اعمال السلطة التشريعية من مراقبة ومحاسبة.
 
 البنك المركزي
 
 ت- سرية المعاملات المصرفية مقابل الحق الدستوري في الرقابة: لقد اسند قضاء المحكمة للنائب المسلم تهمة الاشتراك بافشاء اسرار مصرفية ثم استندت للتدليل على ان حق النائب في المراقبة مقيد بناء على قرار المحكمة الدستورية في الرد على طلب التفسير المقدم من الحكومة برقم 3/1982 المتعلق بسرية اسماء المرضى ولا شك في ان انزال هذا الحكم للوصول الى هذا الاستدلال قد شابهه بعض القصور كون ان مناسبة السؤال هو (حق النائب في السؤال وفي الزام الوزير المختص بتقديم اسماء بعض المرضى وحالاتهم المرضية) ذلك ان قيام العضو بالطلب من الوزير ان يقدم له اسماء المرضى هو امر يختلف كليا عن قيام العضو بعرض بعض اسماء المرضى للإستدلال على امرٍ معين ذلك ان كان للوزير ان يمتنع عن تقديم اسماء المرضى بحجة السرية، ولكن يقابل هذا الامر ان النائب لا يمكن ان يسأل بأي حال من الأحوال ان قام ابتداء بعرض بعض الاسماء تطبيقا لنص المادة 110.
 
وكان الاولى بالمحكمة ان تشير الى طلب التفسير المقدم من الحكومة برقم 1/1986 المتعلق بحق لجنة التحقيق بإلزام وزير المالية بالكشف عن صور محاضر اجتماعات البنك المركزي بما فيه بعض اسماء المستفيدين من بعض القرارات الا ان الوزارة تحججت (بسرية المعاملات المصرفية ومخالفة المادة 28 من قانون البنك المركزي والحق في الخصوصية وفق المادة 30 من الدستور الكويتي ) وهي نفس الاسباب التي قام قضاء هذه المحكمة في سبيل وصولها الى ادانة النائب المسلم ، الا ان المحكمة الدستورية قررت في هذه القضية اثناء تفسيرها لحق النائب في الرقابة امام الالتزام بالسرية المصرفية مجموعة من القواعد الدستوري المهمة وهي كالآتي: (.. حيث انه عما تثيره الحكومة عن كون الحق الرقابي لمجلس الأمة مقيد بالايتعرض لما فيه مساس بالامور المالية لعملاء البنوك او انتهاك الاسرار المالية لاشخاص القانون الخاص او العام استنادا الى المادة 28 من قانون البنك المركزي وكذلك احترام الحق في الخصوصية طبقا للمادة 30 من الدستور ، فيرد عليه ان الامر لايجوز ان يؤخذ على اطلاقه ازاء الحق الدستوري المقرر لمجلس الأمة في المادة 114 من الدستور”ذلك ان المادة 28 من قانون البنك المركزي وان كانت تحظر على اي موظف في البنك المركزي ان يفشي اي معلومات تتعلق بشئون البنك او عملائه او شؤون البنوك الاخرى الخاضعة لرقابته حمايةً للأسرار البنكبة الا ان هذه الحماية هي مفروضة بنص قانوني لايمكن التحدي بها في هذا الخصوص ، اذ انه اعمالا لمبدأ تدرج القواعد القانونية فإنه ينبغي عدم الاحتجاج بقاعدة قانونبة ادنى في مواجهة قاعدة اعلى مقررة بنص الدستور وهو اسمى واقوى من النص القانوني العادي مما يضحى معه النص الدستوري هو الأولى بالرعاية والاعمال”…يتبع الحكم، وكذا الامر بالنسبة للألتزام المتعلق بسر المهنة المصرفية فهو الاخر ليس التزاما مطلقا بل هناك حالات تبرر الخروج عليه لإعتبارات تفوق اهميتها مصلحة صاحب الأسرار وذلك حينما يتطلب الأمر تغليب المصلحة العامة وهي الأولى بالرعاية من حفظ السر).
 
 
 النصوص التشريعية
 
 فقررت المحكمة الدستورية عدة قواعد دستورية يجب ان تحترم وهي بمجملها:
 
-1 قاعدة تدرج القوانين بمعنى ان حق النائب بالمراقبة هو حق دستوري اصيل يستمده من الدستور مباشرة ممثلا عن الامة ، بناءا عليه لا يجوز تقييد او تضييق مفهوم هذا الحق بنص تشريعي عادي كما قررت المحكمة الدستورية بعذر من السرية.
 
-2ان الالتزام بالسرية المصرفية ليس التزاما مطلقا فهناك مبررات قد تقتضي الخروج عليه ومنها تغليب المصلحة العامة ولا شك ان مراقبة النائب المذكور لرئيس الجهاز التنفيذي في الدولة والتصرف بأمواله لصالح شخص آخر هو بحكم القانون شخصية عامة باعتباره ممثلا عن الامة ماهو الا تطبيقا لمقتضيات هذه المصلحة العامة التي نصت عليها المحكمة الدستورية في حكمها خصوصا ان هذه المراقبة هي التزام على المتهم الثاني (المسلم) وفق ما قرره الدستور الكويتي بنصوصه وقرره القسم الدستوري بمنطوقه.
 
-3 كذلك لكون جميع الشخوص المتعلقة بالواقعة هي من الشخصيات العامة فالمستفيد من الشيك هو عضو في البرلمان الكويتي ومصدر الشيك هو رئيس مجلس الوزراء وكاشف هذه المعاملة هو نائب في البرلمان وتم كشفه للواقعة اثناء تأديته دوره النيابي داخل البرلمان فيكون ماقام به هو تطبيق لما تقرره مقتضيات المصلحة العامة بالإضافة لكونها مشمولة بالحصانة الموضوعية المقررة دستوريا ، وقد قررت المحاكم الكويتية تطبيق نظرية الشخصية العامة في العديد من احكامها مما يقوم معه سبب من اسباب الاباحة لمقتضيات المصلحة العامة وهو ما قررته دائرة الجنايات في القضية رقم 27/ 2009 :
 
( واذا كان الشاكي يعد من الشخصيات العامة بصفته وزيرا للمالية وفي مقام مباشرته لاختصاصه كموظف عام قد اطلق تصريحات تتعلق بالحالة الاقتصادية .. وهو ما يقابله بطبيعة الحال حق النقد والتقييم …. واذا كان الناقد وهو المتهم الاول نائبا في البرلمان الكويتي فهو بهذه الصفة يعد من اول المعنيين بالشأن العام ومنوطا به المراقبة والنقد والمحاسبة لأعضاء الحكومة بشكل خاص ذودا عن المصلحة العامة “وان جاء نقده في قناة فضائية فذلك مما لايسلبه واجبه الدستوري” ، …. وهو مما يرجح لدى المتهم الاول غلبة قصد الحرص على مصلحة المجتمع وإطلاع الرأي العام بما يدور عن قصد الإساءة، “بما ينهض معه سبب الإباحة التي رخصها المشرع في المادتين 213/اولا ، 214/اولا من قانون الجزاء) ففي هذه القضية قررت المحكمة وبحق انه حتى ولو كان النقد خارج جلسة البرلمان فأنه يشمل بأسباب الاباحة ومقتضيات الصالح العام بخلاف ما قررته المحكمة في قضية النائب المسلم التي لم تمنحه حتى حق ابداء الأراء والأفكار داخل جلسات المجلس.
 
فقررت المحاكم الكويتية وبحق تطبيق نظرية الشخصية العامة المطبقة في اغلب الدول التي تقوم على احترام حرية التعبير والتي تقوم عل احترام وتفعيل الادوات الرقابية للبرلمان بدلا من خلق برلمان ضعيف لايملك من وسائل الرقابة الا الرقابة الصورية بتفريغ نصوص الدستور من محتواها حتى ماقرره الدستور الكويتي خاصةً المادة 110 بإسلوبٍ جامعٍ مانع محكم.
 
 تسوية المعاملات
 
ايضا قررت المحكمة الدستورية في معرض تفسيرها للطلب رقم 2/1986 المقدم من الحكومة بتفسير المادة 114 بشأن سلطة لجان التحقيق البرلمانية بالاطلاع على نشاط مؤسسة تسوية المعاملات والمتعلقة باسهم الشركات التي تمت بالأجل واسماء المستفيدين من قرض بين مؤسسة تسوية معاملات الاسهم بالأجل وبين احد البنوك فقررت المحكمة:
 
( …. وبناء على ماتقدم  فإن موضوع القرض لايكون بمنأى عن مهمة لجنة التحقيق البرلمانية الرقابية في كافة اجراءاته ومايرتبط به من بيانات بغير قيد ولا ينال من ذلك ما اوررده عقد القرض ضمن مندرجاته بالتقييد بالسرية اذ ان العقد المذكور ملزم لطرفيه الا انه “لايمكن بأي حال من الاحوال  ان يقيم جدارا من السرية في مواجهة الحق الدستوري في الرقابة الدستورية” … فلهذه الاسباب قررت المحكمة ان حق مجلس الامة في اجراء تحقيق نيابي على مقتضى المادة 114 من الدستور يشمل كل موضوع يدخل ضمن اختصاصه التشريعي او الرقابي ومنه نشاط مؤسسة تسوية المعاملات المتعلقة بأسهم الشركات التي تمت بالأجل ويكون للجنة التحقيق اعمالاختصاصاتها الرقابية على عقد القرض الذي ابرمته المؤسسة المذكورة في اجراءاته وما يرتبط به من بيانات بما فيها اسماء المستفيدين من القرض.) انتهى الحكم.
 
ولا خلاف ان عقد القرض اولى بالحماية من الشيكات لان الشيك يحمل ويفيد خاصية التداول بعكس القرض الذي يكون اقرب التصاقا بالذمة المالية للشخص، وان اشخاص القانون الخاص اولى بالحماية من الوزراء والنواب مع هذا لم تعفي المحكمة  الدستورية عقد القرض ولا اشخاص موقعي عقود القرض من الخضوع لرقابة السلطة التشريعية من افشاء اسمائهم وطبيعة معاملاتهم بالرغم من انهم لم يكونوا من الشخصيات العامة كما هو الأمر في الواقعة محل البحث.
 
 الحماية التشريعية
 
 تم ادانة النائب كما هو مقرر بالديباجة بتهمة الاشتراك السابق بمخالفة احكام نص المادة 85 مكرر من القانون 28/2004 في شأن النقد وبنك الكويت المركزي وتنظيم المهن المصرفية التي تقرر ( على اي عضو مجلس ادارة في بنك، او اي مدير او موظف او مستخدم في البنك، ان لا يفشي اي معلومات اثناء عمله او بعد تركه للعمل تتعلق بشئون البنك او بشئون البنوك الاخرى، تكون قد وصلت اليه بسبب اعمال وظيفته ، وذلك فيما عدا الاحوال التي يصرح فيها القانون بذلك).
 
تنظيم المحاماة
 
 – الالتزام المهني: يلاحظ ان نص المادة قد خصصت المعنيين بنصوصها بحكم وظائفهم وهم اعضاء مجالس الادارات،والمدراء، والموظفين، واخيرا المستخدمين بمعنى العمال في البنك. وهذا الالتزام بعدم كشف السرية هو التزام مهني ينحصر بأشخاص من امتهنوا هذه المهنة على وجه الخصوص وهو التزام مشابه لالتزام المحامي بعدم كشف اسرار موكليه والتزام الطبيب بعدم كشف اسرار المرضى ولا يجوز بأي حال من الاحوال ان يؤاخذ الشخص العادي الذي يعتبر من الغير بالنسبة للمهنة بنصوص تنظم هذه المهنة. فالمهن عبارة عن مجموعة حقوق وواجبات فهناك اشتراطات معينة ليكون بمقدور الشخص حمل صفة هذه المهنة فأن استوفاها كان مستحقا لحقوقها ومتحملا لالتزاماتها على وجه الخصوص. وبما ان المتهم الثاني وهو نائب لم يسبق له ان عمل كموظف بنكي في البنك الشاكي فإنه ليس مخاطبا بأحكام هذه النصوص المهنية  فليس عليه التزام قانوني بعدم الكشف عن الاسرار المصرفية خصوصا لو تحصل عليها في بريده الخاص بالمجلس باعتباره نائبا عن الأمة.
 
على سبيل المثال نص قانون تنظيم مهنة المحاماة أمام المحاكم رقم 42 لسنة 1964 المعدل بالقانون 62 لسنة 1996 في المادة 11 أن المحامي يخضع للقسم للحفاظ على سرية المهنة وشرفها، بالإضافة أن المادة 35 قد نصت انه يعتبر من قبيل الإخلال بأصول المهنة إفشاء أسرار الموكل. والأمر نفسه يسري على واجب محافظة الأطباء لأسرار المرضى فقد قرر المرسوم بقانون بشان مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان رقم 25 لسنة 1981 فقد قررت المادة 6 أن الطبيب يجب عليه ألا يفشي سرا خاصا وصل إلى علمه عن طريق مهنته.
 
بناء عليه لا يسأل عن إفشاء الأسرار في الجرائم والالتزامات المهنية إلا من يحمل صفة هذه المهنة من حمل شروطها والتمتع بمميزاتها وتحمل أعبائها، بناء عليه لا يسأل النائب فيصل المسلم بالالتزامات المهنية المتعلقة بموظفين البنوك والمحاسبين إلا أن كان يعمل في وظيفة بنكية وهو ما لم يتحقق في حق النائب المتهم الثاني.
 
ب- الاشتراك السابق: لقد تم اتهام النائب المسلم بتهمة الاشتراك السابق وكان الاولى ان يتهم (وان كان ليس له محل) بالاشتراك اللاحق ولكن نتيجة ابطال المحكمة الدستورية لتجريم الاشتراك اللاحق(المادة 49: أولا) لم يكن امام الشاكي الا بالتوجه نحو محاسبة النائب بالاشتراك السابق الذي يفترض علم النائب بالشيك قبل وصول الشيك لحرز الفاعل الاصلي وهو مالم يتم اثباته من وقائع الدعوى ولا اقوال الشهود بالعكس فإن المحكمة اخذت بإقرار النائب انه تحصل على صورة الشيك في بريده الخاص في البرلمان بمعنى ان جميع العناصر المكونة لجريمة الافشاء قد قامت واكتملت قبل ان يعلم بها النائب وذلك بإرسال المتهم الاول للصورة الضوئية للشيك.
 
وقد قررت احكام محكمة التمييز هذه القواعد ففي الطعن 76 لسنة 1990 ( ان خلوص الحكم الى ثبوت الاشتراك في اصدار شيك بدون رصيد مما لا يسوغ في جملته الاعتقاد بأن اصداره كان ثمرة اتفاق سابق بين الساحب والشريك يعتبر قصور وفساد في الاستدلال يستوجب التمييز) كما قررت في الطعن رقم 183 لسنة 2004 ان (الاشتراك بالاتفاق يتحقق باتحاد نية الفاعل والشريك على ارتكاب الفعل المتفق عليه) وقررت ايضا في نفس الطعن ان الاشتراك بالمساعدة يتحقق ( بتدخل ارادة الشريك في الفاعل تدخلا مقصودا يتحقق به معنى تسهيل ارتكاب الجريمة الذي جعله المشرع مناطا لعقوبة الشريك) ويتضح انه تخلو القضية من اي دليل بأن المتهم الثاني النائب فيصل المسلم قد تدخلت ارادته او نيته على ارتكاب الفعل قبيل وصول الشيك الى حرز الفاعل الاصلي. بل بالعكس فإن القاضي استدل واعتمد اقرار النائب المتهم الثاني من انه استلم صورة الشيك عبر بريده الشخصي في البرلمان وذلك في الصفحة 15 من الحكم.
 
وبناء عليه قد قامت جميع اركان الجريمة وهي الافشاء بإرسال صورة الشيك عبر البريد فلا وجه للاشتراك السابق في الدعوى المنظورة بحق النائب وذلك لاكتمال الجريمة (ان صحت  في حق المتهم الاول) قبل استلام النائب للبريد.
 
 مكافحة الفساد
 
ت- اتفاقية مكافحة الفساد: هي اتفاقية من اتفاقيات الأمم المتحدة وقعت عليها دولة الكويت في عام 2003 وصادق عليها المجلس في عام 2006 ، وقد نصت المادة 70 “يبرم الأمير المعاهدات بمرسوم ويبلغها مجلس الأمة فورامشفوعة بما يناسب من البيان وتكون للمعاهدة قوة القانون بعد ابرامها والتصديق عليها ونشرها في الجريدة الرسمية” فقد نصت المادة 15 من الأتفاقية المبوبة بالعنوان (رشوة الموظفين العمومين الوطنين) على عدم جواز عرض الرشوة او استخدامها في الوظائف العامة وفق النص الآتي: “تعتمد كل دولة طرف ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم الأفعال التالية:
 
1 – وعد موظف عمومي بمزية غير مستحقة او عرضها عليه او منحه اياها، بشكل مباشر او غير مباشر، سواء لصالح الموظف نفسه او لصالح شخص او كيان آخر، لكي يقوم ذلك الموظف بفعل ما او يمتنع عن القيام بفعل ما لدى اداء واجباته الرسمية.
 
-2 التماس موظف عمومي او قبوله بشكل مباشر او غير مباشر مزية غير مستحقة سواء لصالح الموظف نفسه او لصالح شخص او كيان آخر لكي يقوم ذلك الموظف بفعل ما او يمتنع عن القيام بفعل ما لدى اداء واجباته الرسمية”
 
ووفق قاعدة ان النص اللاحق يلغي السابق لا يجوز الاحتجاج بالسرية المصرفية لرئيس مجلس الوزراء طالما كانت الاتفاقية لاحقة على قانون البنك المركزي واصبحت جزءا من القانون الداخلي الكويتي.
 
كما تنص المادة 19 من الاتفاقية  المبوبة بـ(اساءة استغلال الوظائف) على:
 
“تنظر كل دولة طرف في اعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير اخرى لكي تجرم تعمد موظف عمومي اساءة استغلال وظائفه او موقعه اي قيامه او عدم قيامه بفعل ما لدى الاضطلاع بوظائفه بغرض الحصول على مزية غير مستحقة لصالحه هو او لصالح شخص او كيان اخر مما يشكل انتهاكا للقوانين” كما تنص المادة 24 على عدم جواز اخفاء الاشياء المتحصلة من الجرائم التي تنضمها الأتفاقية من بينها جرائم الرشوة وذلك بالنص الأتي: “دون مساس بأحكام المادة 23 من هذه الاتفاقية تنظر كل دولة طرف في اعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير اخرى لتجريم اخرى لتجريم القيام عمدا عقب ارتكاب اي من الافعال المجرمة وفقا لهذه الاتفاقية دون المشاركة في تلك الجرائم بإخفاء ممتلكات او مواصلة الاحتفاظ بها عندما يكون الشخص المعني على علم بأن تلك الممتلكات متأتية من اي من الافعال المجرمة وفقا لهذه الاتفاقية” كما تلزم الاتفاقية الدول الاطراف على حماية المبلغين عن الجرائم المنظمة وفق نصوص الاتفاقية بالمادة 33 :
 
“تنظر كل دولة طرف في ان تدخل في صلب نظامها القانوني الداخلي تدابير مناسبة لتوفير الحماية من اي معاملة لا مسوغ لها لاي شخص يقوم بحسن نية ولاسباب وجيهة بأبلاغ السلطات المختصة بأي وقائع تتعلق بأفعال مجرمة وفقا لهذه الاتفاقية”
 
وبناء عليه يجب على الدولة ملزمةً ان تحمي من بلغ على وجود شبهة جريمة الرشوة لا ان يحاكم وفق مايخالف احكام الاتفاقية و احكام الدستور الكويتي.
 
ونصت المادة 40 على خلق انظمة بخلق نظام شفاف لا يجوز الاحتجاج بالسرية المصرفية امامها بالنص الاتي:” تكفل كل دولة طرف في حال القيام بتحقيقات جنائية داخلية في افعال مجرمة وفقا لهذه الاتفاقية وجود آليات مناسبة في نظامها القانوني الداخلي لتذليل العقبات التي قد تنشأ عن تطبيق قوانين السرية المصرفية” فيكون ماقام به النائب فيصل المسلم محمي وفق قواعد اتفاقية مكافحة الفساد التي اصبحت جزء من القانون الداخلي بمصادقة البرلمان عليها في عام 2006 ولا تجوز مساءلته بناء عليها.
 
ملاحظة: وسوف تتجاوز الدراسة عن الولوج في بعض الشبهات التي اعترت اجراءات المحاكمة من اسباب البطلان من حيث  صحة مباشرة اجراء تحريك الدعوى العمومية في الدعوى محل البحث وايضا من حيث وجود جهة الادعاء المختصة اثناء نظر الدعوى ونشير الى احكام دائرة تمييز الجنح في المحكمة الكلية في هذه المسألة.