كتاب سبر

من يصدق العسكري؟

 هل يمكن أن نصدق المجلس العسكري؟ هل يمكن أن نتوقع أن يكون صادقا في نيته في تسليم السلطة في يونية المقبل؟ وهل كان صادقًا من قبل عندما قال إنه سيسلم السلطة بعد ستة أشهر من توليه سدة الحكم؟ هل كان صادقا من قبل، حينما وصف الثوار بالبلطجية، هل كان صادقا عندما اعتبر أشرف حركات المعارضة، التي قادت الثورة لخلع المخلوع مبارك، عملاء يمولون من الخارج؟ هل كان صادقا من قبل عندما نفى الاعتداء على سيدات مصر الحرائر، ثم عاد ليعتذر لهم؟
الإجابة في كل ما مضى واحدة، هي لا، من يصدق العسكري إذن، وهو يحاول أن يغازل الطبقة الفقيرة بوعود لا تتحقق، من يصدق العسكري، وهو يعقد التحالفات مع كل فصيل فترة من الوقت، عله يجد من يبقيه في السلطة، من يصدق العسكري، وقد حول ذكرى الثورة، إلى عيد للرعب، والخوف من مخططات أجنبية لتخريب مصر، فأصبح الناس بدلا من أن يحتفلوا يوم 25 يناير المقبل، بالذكرى الأولى للثورة، أصبحوا يقرءون في الصحف أخبارا عن القبض على ناشطين في حركة 6 إبريل، بدون أي سبب حقيقي، من يصدق العسكري وقد نجح في أن يقسم البلاد إلى عشرات الأحزاب والائتلافات، وشغلهم بكعكة الانتخابات الواهية، بينما هو يريد المقعد الكبير.
العسكري لا مانع عنده من الدخول فى تحالفات غريبة للحفاظ على وجوده وتقاسم السلطة وضرب الدولة المدنية، التى قامت من أجلها الثورة «لا يمكن للعسكر أبدا أن يكونوا فى صف الدولة المدنية، وكذلك التيارات والقوى الدينية»، ولا مانع عنده من انتهاك حقوق الإنسان وفض الاعتصامات التى أسقطت نظام مبارك المستبد الفاسد، ولا مانع عنده من استخدام العنف فى ذلك وانتهاك الأعراض وكشف العذرية وسحل الفتيات، ولا مانع عنده من استخدام قنابل الغاز والكيماوى ليسقط المزيد من الشهداء الذين يدافعون عن ثورتهم ودماء إخوانهم الذين سقطوا على يد عصابة مبارك، ولا مانع عنده من إدخالنا فى مسرحيات هزلية فى محكمات قتلة الشهداء من النظام السابق، ولا مانع عنده من الإبقاء على رموز النظام السابق فى مناصبهم وإدارة مؤسسات الدولة، بل استدعاء مستشارين من المعاش لقيادة أفكار المرحلة الانتقالية والتى تناسب جنرالات معاشات المجلس العسكرى، 
ولا مانع عنده من تحويل الإعلام الذى كان ينافق النظام المخلوع إلى موالس ومنافق لجنرالات المجلس العسكرى لتجميله وتلميعه بعد أن فقد بريقه وثقة الشعب والثوار فيه الذين منحوه ثقتهم بعد خلع مبارك فى 11 فبراير الماضى، ولكنه لم يكن فى محل الثقة. أدخلنا فى «اشتغالة» عن الترقيعات الدستورية على طريقة النظام المخلوع ويبتعد عن أهداف الثورة من وضع دستور جديد للبلاد، ليدخلنا من جديد فى اشتغالة الانتخابات أولا أم الدستور أولا، ليسر فى النهاية بمشورة القوى الدينية الصاعدة التى منحها شرعية قيصرية عسكرية «ويدخل معها فى تحالف فى ما بعد» ولتكون الانتخابات أولا، ويجهز المسرح لهم ليفوزوا بالأغلبية من خلال قانون انتخابات وتقسيم للدوائر سيئ السمعة. 
ويبدأ فى استعادة تصرفات النظام المخلوع ويزايد عليه فى تعامله مع القوى الثورية ليحاول تشويه الثوار، ثم تبرير الثورة، وها هو الآن ونحن على مقربة من مرور عام على الثورة يحاول إجهاضها والقضاء عليها، ولتصبح الثورة انقلابا على شخص مبارك وبعض من أفراد عصابته، «أما باقى أفراد عصابته فما زالوا يمرحون فى البلاد» وتبقى مؤسسات مبارك وإدارته للدولة الفاشلة كما هى، فلم يستطيعوا إحداث أى نقلة نوعية فى إدارة البلاد خلال ما يقرب من عام، بل إنهم ساعدوا على الفوضى بقراراتهم ومراسيمهم وأدخلوا البلاد فى أزمات داخلية وخارجية فلا يمكن لعاقل أن يتخيل ثورة 25 يناير العظيمة التى يصفها دائما المجلس العسكرى فى بياناته والتى ألهمت شعوب العالم بالثورة على الاستبداد والطغيان والفساد، أن تكون علاقتنا الخارجية بهذا الشكل فليس هناك تواصل عربيى أو إقليمى، بل زد على ذلك المواقف الأخيرة للدول الغربية بعد التصرف الهمجى باقتحام مقرات المنظمات الحقوقية. هناك تعمد واضح من المجلس العسكرى على تشويه الثورة وإجهاضها حتى لدى العالم الخارجى بتلك التصرفات غير المسؤولة والتى تهدر الكثير من مقومات وأهداف تلك الثورة، وتسىء إلى سمعة الثورة، وتدفع الدول والمنظمات الدولية التى كانت واقفة على أبواب مصر لتساعد الشعب المصرى على الانتقال إلى مرحلة الدولة الديمقراطية الحديثة، والاستثمار فى المشروعات الاقتصادية ومساعدة هذا الشعب العظيم على إنجاح ثورته العظيمة التى ألهمت الكثير من الشعوب، إلى أن تأتى، الآن، وتستغرب تلك الدول والمنظمات من سلوكيات وتصرفات جنرالات معاشات المجلس العسكرى وحكومته التابعة ومستشاريه الذين يشاركون جميعا فى إجهاض الثورة والعودة مرة أخرى إلى نظام ومؤسسات الرئيس المخلوع حسنى مبارك.
أدخلنا المجلس العسكرى فى اشتغالة حتى لا ننظر حولنا ونرى ما جرى فى تونس من انتقال سلس للسلطة إلى المدنيين بعد أن وجد الجيش هناك السلطة على الرصيف، لكن سلمها للمدنيين وحمى الثورة بجد، ولم يسعَ إلى تشويه الثورة والثوار، ولم يعتقل الثوار، ولم يقتحم منظمات المجتمع المدنى وحقوق الإنسان، اشتغلنا حتى لا يكون لنا أى دور فى ما يحدث فى الثورات العربية، فى ليبيا وفى اليمن وفى سوريا. 
يا أيها الذين فى «العسكرى» انظروا حولكم لعلكم تفقهون.