كتاب سبر

في الكلام عن التطرف!!!

قضية التطرف قضية شائكة والكلام عنها يحتاج حيطة وترويا؛ لكثرة الخائضين فيها في الآونة الأخيرة في شتى وسائل الإعلام، ولكن الملفت للنظر أن الكلام عن التطرف أصبح فيه تطرفا!!! وأصبح الذين يتكلمون عن بواعث وأسباب وحلول التطرف هم أناس متطرفون!!
يخطأ من يظن أن التطرف قضية معاصرة، وذلك أن التطرف وجد منذ عصر الرسالة، بل ووجد عند الأمم السالفة؛لأن تحجيم الآخر، وعدم ترك فسحة له؛ للتعبير عن رأيه موجود منذ وجد بين الناس، قوي وضعيف، ومتسلط ومتسلط عليه، ولكنها أصبحت قضية العصر؛ لأنها استغلت من قبل أعداء الدين بدهاء ومكر لم يعهد له مثيل من قبل!!!نحن لا نريد تسليط الضوء على التطرف بشكل عام بقدر ما يهمنا تسليطه على التطرف للآراء والتعصب لها.
الإشكال في هذه المشكلة هو عدم وضع تعريف مرتضى بين من يتجاذبون القضية ويتصدون للكلام عنها، فالناس تختلف نظراتهم للتطرف؛ فمنهم موسع لمفهوم حرية الرأي وقبول الرأي الآخر حتى لو اشتمل على الكفر والمحاربة لله ولرسوله، ومنهم مضيق لمفهوم حرية الرأي ليجعلها بضيق وصف الشاعر أحمد المطر القائل:
                                  أمارس دائما حرية التعبير في سري، وأخشى أن يبوح السر بالسر!!!!
والحق أن حرية التعبير لابد أن يرجع فيها إلى مصدر متفق عليه بين العقلاء الذين يعلمون ويوقنون بأن القضايا الفضفاضة المعقدة إذا تركت لعقول الناس على اختلاف مشاربهم وثقافاتهم ستزداد تعقيدا !!!
وقديما قيل: 
 
                                  وللعقول حدود لا تجاوزها ….. والعجز عن الإدراك إدراك!!!
فالعقل السليم يحتم علينا أن نرجع ضوابط حرية التعبير للدين الحق فنقول:
من يقرأ كتب التراث الإسلامي يجد أن علماء المسلمين هم أكثر الناس محاربة للتعصب للآراء دون بينة، وهم أكثر الناس محاربة للانغلاق على آراء معينة دون وجود دليل يؤيدها، وبذلك تكون بعض المذاهب العصرية المنادية بالحرية في التعبير موافقة للإسلام في هذا الجانب، ولكن يمتاز الإسلام عن هذه المذاهب الأرضية بأنه راعى قدرات الإنسان العقلية، فأمره بالانفتاح على الآخَر؛ إذ يكون الانفتاح في صالح الإنسان، وأمره بعدم الانفتاح؛ إذ يكون الانفتاح سببًا للجهل والتفريط في الخير الذي توصل له الإنسان!!
وهذه الوسطية، التي ميزت الإسلام عن غيره لا تعجب أدعياء الحرية؛ لأنهم يريدون منا أن نترك الإنسان ينساق خلف كل قول وكل هاجس يعن له وكل فكرة يقوده لها عقله؛ لنرى في مجتمعاتنا ما رأيناه اليوم من سفه وجنون وكفر تحت ذريعة حرية التعبير والكلمة !!!!