كتاب سبر

طموحات الشباب.. و”البطة”

في إحدى قصص الفولكلور الفرنسي، تتحدث الحكاية عن بطة، كانت تسبح مع رفيقاتها فوق مياه البحيرة الصافية، فشاهدت البطة انعكاس الهلال على سطح الماء، فاعتقدت بأنه سمكة.. فغطست في الماء لتصطادها، لكنها لم تجد شيئاً، وعندما رفعت رأسها من الماء، وجدت رفيقاتها يسخرن منها ويهزأن بها.
خجلت البطة وطأطأت رأسها من شِدة الحرج، وصارت تخشى، كلما رأت سمكة أن يكون الأمر مجرد انعكاس آخر للقمر فوق سطح البحيرة، كما حصل معها في المرة الأولى، وبقيت البطة هكذا.. خجولة، ومكسورة إلى أن ماتت من الجوع!
هذه قصة الفولكلور الفرنسي، أما ما لم تتحدث عنه القصص الفرنسية، هو أن الكثيرين منا يعيشون ويموتون على طريقة البطة السوداء، تُخجِلُهم المحاولة الأولى الفاشلة، ويحبطون من ردود الفعل الأولى، وينكمشون على أنفسهم حتى يوافيهم الأجل.
مشاريع لكتاب وشعراء وفنانين كُثر، أحبطتهم ردة الفعل الأولى على بواكير إنتاجهم، فتوقفوا عن الإبداع المباح، حتى جاءهم هادم اللذات ومفرق الجماعات، رياضيون كثر دثرتهم عثرة المحاولات الأولى أيضاً، وربما مخترعون و و و و و.. فتخيلوا لو أن توماس أديسون مثلا – وليس على سبيل الحصر- تخلى عن محاولة ابتكار المصباح الكهربائي، لو أن الرجُل انسحب من التجربة الأولى الفاشلة، التي تبعتها قرابة ألفي محاولة فاشلة أخرى، إلى أن نجح.
تخيلوا، لو أن أديسون فعل كما فعلت البطة التي تحدثنا عنها.. بالتأكيد كان تأخر اختراع المصباح الكهربائي إلى 50 عاماً أخرى على الأقل، إلى أن يكون قد جاء مخترع آخر لا تحبطه المحاولات الفاشلة، وتأخرت بذلك آلاف الاختراعات الحديثة، ولكن اليوم -مثلا- نعيش ونعتاش ونتعايش على تكنولوجيا الخمسينيات، بلا كمبيوتر بلا نت، بلا برامج تواصل اجتماعي، بلا صُحف مرئية، وبلا.. وبلا.. وبلا.. وبلا..!
أقول قولي هذا، لعله يؤثر في فتاة متحبطة من بيئتها، أو شاب أحبط من حوله، فأكمش كالبطة وتقوقع على طريقتها.. ولن أطيل وأُكثر الحديث في هذا الموضوع، وإنما سأكتفي بالاستشهاد في سرد قصة الـ (بطة) فإن هو ارتضى هذا المصير لنفسه، يكون قد استحق ذلك بالفعل.. وعن جدارة أيضاً!
FAiSAiBNOMER@