كتاب سبر

بشار لم يفهم الدرس

متى يفهم بشار الأسد الدرس؟
متى يعرف أن إرادة الشعوب أقوى من أية أسلحة أو جيوش؟
متى يدرك  أن الشعب السوري قرر انتزاع حريته، وسينتزعها، طال الوقت أم قصر؟
متى يتعلم أن “خدعة الأجندات الأجنبية”، لم تعد تنطلي على أحد، فقد جربها قبله مبارك والقذافي وبن علي وفشلت؟
الواقع يقول إن بشار الأسد لم يفهم، حتى الآن ومنذ شهر مارس الماضى ماذا يريد الشعب السورى، ما زال مصرّا على العناد والبلطجة والقتل والتمسك بالسلطة التى ورثها عن أبيه ولم يفعل شيئا من أجلها أو من أجل الإصلاح.

ألا تحرك الدماء التي تسيل من الشعب السوري الأعزل شعرة في جسد بشار؟ ألا يحرك صراخ الأطفال ودماؤهم أي نبض في قلبه، ألا يحرك منظر جثث النساء، أي شيء في روحه؟

لكن منذ متى وللطاغية روح، منذ متى والطاغية يتحرك قلبه، أو يرتجف أو يشعر بشعبه؟ الطاغية لا يرى أمامه إلا ذاته فقط، عندما ينظر في المرآة لا يرى إلا مقعد السلطة، المقعد فحسب لا شيء آخر، لا يرى الدماء التي تغطيها، ولا الجثث التي وضع فوقها.

وهذا هو حال بشار، لم يتعلم من درس زين العابدين بن على الرئيس التونسى المخلوع عندما حاول أن يستميل الشعب التونسى بعد أن هتف «بن على بره بره» وقال لهم فى خطابه الشهير والأخير له «فهمتكوا».. وأنه لا رئاسة مدى الحياة. وفى النهاية لم يجد مفرا إلا الهرب إلى السعودية التى منحته اللجوء الآمن.

لم يتعلم بشار الأسد مما جرى مع الرئيس المصرى حسنى مبارك المخلوع عندما حاول أن يتشبث بالسلطة وفعل كل ما يملك من أجل أن يظل على رأس الحكم وتوريث ابنه جمال من بعده. ولكن أصر الثوار على خلعه رغم مواقف القوى السياسية المتخاذلة وإعلاميى «مسح الجوخ» لأى سلطة عندما خرج بخطابه العاطفى فى 1 فبراير يعلن: «إنه لم يكن ينتوى ترشيح نفسه للرئاسة مرة أخرى». وما أعقب هذا الخطاب من إطلاق البلطجية والمجرمين بمشاركة مؤسسات الدولة والحزب الوطنى والسياسيين والموظفين الفاسدين الذين كانوا على رأس تلك المؤسسات، على المعتصمين فى ميدان التحرير وميادين مصر لصرفهم بالقوة وليستعيد مبارك وعصابته جبروتهم وطغيانهم وفسادهم، وهو ما عُرِف بموقعة الجمل التى ما زال هناك الكثير ممن شاركوا فيها لم يشملهم حتى الآن قرار الاتهام.

 لكن فى النهاية رحل مبارك وتنحى وتم خلعه من السلطة ليكون مصيره المحاكمة والمطالبة بإعدامه لخيانته اليمين التى أداها كرئيس للجمهورية.

 وما جرى مع الرئيس اليمنى على عبدالله صالح من إجباره على التنازل عن السلطة حتى وإن جرى ذلك بوساطة خليجية لتبريد ثورة الشعب اليمنى حتى لا تنتقل عدواها إلى دول الخليج.
 
لم يتعلم بشار الأسد بعد من كل ما يحدث من حوله، ويصر فى خطابه الذى ألقاه الثلاثاء الماضى على أنه لن يتخلى عن السلطة «لست أنا من يتخلى عن المسؤولية». فأى مسؤولية يتكلم عنها بشار الأسد؟ مسؤولية توليه حكم سوريا بالتوريث فزاد من قبضة الأمن عليها وجعل الشعب كله يتجسس بعضه على بعض ولصالح دولة الأمن والحزب الواحد؟

أية مسؤولية يتكلم عنها بشار الأسد وعصاباته وشبيحته ما زالوا يقتلون أفراد الشعب السورى الذين خرجوا فى مظاهرات سلمية ضد الاستبداد والطغيان والفساد وسيطرة واحتلال أسرة الأسد على حكم البلاد؟ أية مسؤولية يتكلم عنها بشار الأسد وكل يوم فى قرى ومدن سوريا يسقط العشرات من الشهداء لا فرق بين شاب ومسن وفتاة وطفل لم تتعد سنه أشهرا؟ أية مسؤولية يتكلم عنها بشار الأسد وهو الذى يثير الفتنة الآن بين طوائف الشعب السورى والانقسام بعد أن توحدوا فى ثورتهم على مطلب واحد هو إسقاط النظام المستبد الفاسد؟

لقد اتهم الأسد قوى ومخططات خارجية بأنها وراء ما يحدث فى سوريا الآن.. وهو نفس الكلام الذى كان يطلقه مبارك وعصابته من أن هناك مؤامرات خارجية وراء الثورة، بل وصل بهم الأمر إلى أن هناك أجانب فى ميدان التحرير هم الذين أطلقوا النيران على المواطنين لا عصابة مبارك وأعوانهم، نفس الطريقة.. ونفس الأسلوب.. ونفس السلوك.

 إنهم الطغاة دائما.. لا ينظرون إلى أنفسهم وأخطائهم.. لا يرون شعوبهم ومتطلباتهم وتطلعاتهم، والأغرب من كل هذا أن بشار الأسد أهان الجامعة العربية التى منحته فرصة كبيرة ومهلة أكبر لاستمرار عمليات القتل للسوريين بقوات جيشه وشبيحته فى وجود مراقبين يمثلون الجامعة العربية، ومع هذا يتحدث كما تحدث من قبله المستبدون المخلوعون من أنه لا يوجد أمر من أى مستوى من مستويات الدولة بإطلاق النار على أى مواطن.

 ويرى القاتل بشار أن الأولوية القصوى الآن التى لا تدانيها أى أولوية هى استعادة الأمن.. وهذا لن يتحقق إلا بضرب الإرهابيين القتلة بيد من حديد.

 ويبقى أن يقول بشار للسوريين «إما هو وإما الفوضى» على طريقة مبارك.. وربما هو ما يحاول أن يفرضه المجلس العسكرى على المصريين الآن بتوزيع اتهامات واهية على الثوار بالتحريض على التخريب والحرق والهدم.
 بشار لم يفهم الدرس، لكن الشعب السوري العظيم، مستمر في ثورته، حتى يسترد حريته، وحتى يقول بشار “فهمتك”، لكن كالعادة، بعد فوات الأوان.