كتاب سبر

كلام

في منأى عن كفاح مالكوم إكس، وبعيداً عن نضال مارتن لوثر كنج، وبِالقُرب من (عهرنة) محمد سالم الجويعل.. أروي إليكم هذه القصة الواقعية، لعلي أجد بها ضالتي بالعثور على أحد (الراشدين) من ذوي البصيرة والاستشعار، فيمنع حدوث ويلات البلاد من شرور رويبضات العباد.. أو إن شئِت، فقُل العبيد! 
في أحد أمسيات شهر ديسمبر عام 1955 الباردة جمعت العجوز السمراء (روزا باركس) التي تعمل خياطة، حاجياتها وتجهزت للعودة إلى منزلها الصغير بعد مُضي يوم من العمل الشاق والمضني.. سارت روزا في الشارع مُحتضنة حقيبتها لتستمد منها بعض الدفء.. التفتت ناحية اليمين واليسار، ومن ثم عبرت الطريق المؤدي للرصيف الآخر، فوقفت تنتظر الحافة كي تعود إلى منزلها، أثناء وقوفها الذي استمر لبضع دقائق، كانت (روزا) تشاهد في حسرة وألم منظراً مألوفاً في أمريكا آنذاك، وهو قيام الرجل الأسود من كرسيه في مقصورة مقاعد انتظار الحافة؛ ليجلس مكانهُ رجلٌ أبيض.. لم يكن هذا السلوك نابعٌ من روح أخوية، أو حتى لمسة حضارية، بل لأن القانون الأمريكي حينذاك، كان يمنع منعاً باتاً جلوس الرجل الأسود وسيده الأبيض واقفٌ بجانبه، حتى وإن كانت الجالسة عجوزًا سوداء وكان الواقف شاب أبيض في عنفوان شبابه، فتلك مخالفة تُغرم عليها المرأه العجوز!
وكان مشهوراً في ذلك الوقت، اعتياد السود على قراءة اللوحات المعلقة على أبواب بعص المحال التجارية أو المطاعم وقد كُتِب عليها: (ممنوع دخول القطط والكلاب والرجل الأسود)!
كل تلك الممارسات العنصرية كانت تصيب العجوز (روزا) بحالة من الحزن والأسى.. والانزعاج، فإلى متى يعامل السود على أنهم هم الأقل مكانة وأحقر منزلة.. لماذا يُصغرون ويُزدرون ويكونون دائماً في الصفوف الأخيرة، لما يتم تصنيفُهم في خانة القطط والحيوانات وهُم بشر، وعندما وقفت الحافلة استقلتها (روزا) وقد أبرمت في صدرها أمرٌ جلل.. فأثناء دخولها أخذت تُقلب بصرها يميناً ويسار بحثاً عن مِقعد، وما إن وجدت المقِعد خالياً حتى ارتمت عليه وجلست تراقب الطريق فى هدوء، وبعدما جاءت المحطة التالية، صعد الركاب وامتلأت الحافلة تماماً، وبهدوء اتجه شاب أبيض إلى حيث تجلس (روزا) منتظراً أن تفسح له المجال، لكنها ويا للعجب.. نظرت إليه في لامبالاة وعادت لتراقب الطريق مرة أخرى!
ثارت ثائرة الشاب الأبيض، وأخذ الرُكاب البيض في سب وشتم (روزا) والتوعد بها إن لم تقم من فورها ليجلس الشاب الأبيض مكانها، لكنها أبت ورفضت وأصرت على موقفها بِكُل حزمٍ وجلد، فما كان من سائق الحافلة أمام هذا الخرق الواضح للقانون، إلا أن يتجه مباشرة إلى مركز  شُرطة الولاية، كي تُحقق السُلطات مع تلك العجوز السوداء التي أزعجت السادة البيض، وبالفعل تم التحقيق مع (روزا) وتغريمها مبلغ 15 دولار، نظير تعديها على حقوق الغير.. وهنا انطلقت الشرارة في سماء بلاد العم سام؛ حيث ثارت ثائرة السود في كافة القطاعات جميع نواحي الولايات، وقرروا مقاطعة وسائل
المواصلات، والمطالبة بحقوقهم كبشر لهم حق الحياة والمعاملة الكريمة.
استمرت حالة الغليان هذه لمدة كبيرة من الزمن، امتدت لـ 381 يوماً، وأُصيبت أمريكا بصداع مزمن نتيجةً لذلك، وفي نهاية المطاف، خرجت المحكمة بِحُكمِها الذي نصر(روزا باركس) في محنتها، فتم إلغاء ذلك العرف الجائر وكثير من الأعراف والقوانين العنصرية، وفي 27 أكتوبر من عام 2001، أي بعد مرور 46 عاماً على هذه الحادثة، تم إحياء ذكرى الحادث في التاريخ الأمريكي الحديث، حيث أعلن السيد ستيف هامب (مدير متحف هنري فورد) في مدينة ديربورن بولاية ميتشيغن عن شراء الحافلة القديمة، التي وقعت فيها حادثة السيدة (روزا باركس) من بيدها قدحت الزناد الذي دفع حركة الحقوق المدنية في أمريكا للاستيقاظ؛ حيث تم تعديل وضع المواطنين السود.. وقد تم شراء الحافلة بمبلغ 492 ألف دولار أمريكي، للعلم لا أكثر!
                                                                        *******
نتفاجأ بين الحين والآخر، بأسماء أشخاص تأتي من عالم الغيب؛ لتصعد إلى واجهة الأحداث عبر رفع شعارات متطرفة أو القيام بتصرفات شاذة أو عُنصرية عبر وسائل الإعلام من دون مقدمات، أو حتى من دون أن يعرف الناس عن تاريخهم أي شيء!
 
ويحاول هؤلاء (المجهولون) ركوب الموجة ودس السُم بالعسل أثناء الاحتقانات السياسية بإقحام أنفسهم في قضايا وسجالات ومهاترات واتهامات ودفاعات ضد وعلى ومع أشخاص لا يعرفونهم ولا هم لهم بعارفين.. بعضهم استطاع أن يفرض نفسه على الجماهير، والبعض الآخر تم طرده وبدأ يتصرف فردياً، والمُريب هنا هو حراك شرائح وفئات وجماعات معروفة أخذت تشجع هؤلاء (الطارئين) عن قصد أو من دونه، المهم أن يكون هناك حراك دائم حتى ولو كان متطرفاً! 
وقد شهِدنا بعضاً من التطرف في الشعارات التي تشير إلى (ضرب الوحدة الوطنية) و (العبث بالنسيج الاجتماعي) و (التحطيط من شأن كُبرى الشرائح الاجتماعيه في البلاد) وبعضها كان يتعدى على الشخصيات العامة بألفاظ نابية، وبصورة منافية للتربية والأخلاق المُثلى في الكويت.
لا شك أن وجود محمد الجويعل في الكويت كمواطن كويتي، يُسبب لنا نحن الـ 55% من المواطنين حرجاً كبيراً أمام أنفسنا وأمام العالم، حرجاً مشابهاً لحرج حكومات ما بعد الغزو، من قضية دعم المقبور صدام حسين إبان الحرب العراقية الإيرانية، فذاك الدعم هو أشبه بدعم هذه الجماعات لهذه الرويبضة، وذاك الحرج محاك لحرج الغالبية من الكويتيين لوجود إمعه تافه يعيش معها تحت سماءٍ واحدة..!
‏FaisaiBnOmer@