كتاب سبر

دراسة قانونية
الجدعي “يجدع” أنف الجويهل بالقانون: بالعربي والإنجليزي أنت خارج البرلمان

كتب دكتور القانون المحامي فواز الجدعي دراسة قانونية ساق فيها الادلة من النصوص العربية والانجليزية ، متطرقا إلى خطاب الكراهية الذي أطلقه أمس محمد الجويهل، مؤكدًا من خلالها استحالة أن يصبح المدعو الجويهل نائباً في البرلمان الكويتي، حتى ولو حاز على النصاب الكافي للفوز بالمقعد البرلماني، مستندًا في ذلك إلى ما تقره المحكمة الدستورية. كما تطرق إلى القوانين والاتفاقيات الدولية التي تؤكد جرم ما ذهب إليه الجويهل، وفيما يلي نص الدراسة:-  
أبدأ هذه الدراسة بتفصيل خطاب الكراهية وتنظيمها الدولي والمحلي، ومن ثم نتطرق لاستحالة أن يصبح المدعو محمد الجويهل نائباً في البرلمان الكويتي، حتى ولو حاز على النصاب الكافي للفوز بالمقعد البرلماني، وذلك وفق ماصدر من حكم المحكمة الدستورية عام 2008.
ويستغرب تواجد بعض المسؤولين الرسميين في الدولة في ندوات المرشحين المصدرين لخطاب الكراهية وكأن الدولة ترعى هذا الخطاب وهذا ممنوع لقواعد تقتضيها مسؤولية الدولة في الحد من هذا الخطاب.
أولاً:خطاب الكراهية
 هو أي تعبير للحط  من قدر شخص أو جماعة او التحريض عليهم، بناءً على صفات شخصية بحتة كاللون أو الفئة أو العرق أو الدين او اللغة او الجنس او الجنسية او اي سبب أخر.
والخطاب لا يشترط به شكل معين فقد يكون بالإيحاء او التصرف او الكتابة او الإشارة او بالقول ويعتبر القول أشد انواع وسائل خطاب الكراهية.
خطاب الكراهية ليس محميًا في أغلب الدول الديمقراطية ولا يعتبر من ضمن الحق في حرية التعبير المحمية في هذه الدول وبعض الدول قد تكتفي بالمطالبة المدنية والبعض قد يصل معها الأمر الى المحاسبة الجنائية؛ لأن خطاب الكراهية ينطوي على الحض والتحريض ضد فئة يحميها القانون.
الإتفاقيات الدولية:

اتفاقية (إعلان الأمم المتحدة لقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري)؛ فقد نصت المادة 1 على: ” يمثل التمييز بين البشر بسبب العرق أو اللون أو الأصل الأثني إهانة للكرامة الإنسانية ويجب أن يدان باعتباره إنكاراً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة وانتهاكاً لحقوق الإنسان وللحريات الأساسية المعلنة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وعقبة دون قيام العلاقات الودية والسلمية بين الأمم وواقعاً من شأنه تعكير السلم والأمن بين الشعوب”.
كما نصت المادة 4: ” تتخذ جميع الدول تدابير فعالة لإعادة النظر في السياسات الحكومية والسياسات العامة الأخرى ولإلغاء القوانين والأنظمة المؤدية إلي إقامة وإدامة التمييز العنصري حيثما يكون باقيا. وعليها سن التشريعات اللازمة لحظر مثل هذا التمييز واتخاذ جميع التدابيرالمناسبة لمحاربة النعرات المؤدية إلي التمييز العنصري.”
ونصت المادة 9: “1. تشجب بشدة جميع الدعايات والتنظيمات القائمة علي الأفكار أو النظريات القائلة بتفوق أي عرق أو أي جماعة من لون أو أصل اثني واحد لتبرير أو تعزيز أي شكل من أشكال التمييز العنصري.
2. يعتبر جريمة ضد المجتمع، ويعاقب عليه بمقتضى القانون، آل تحريض علي العنف وآل عمل من أعمال العنف يأتيه أي من الأفراد أو المنظمات ضد أي عرق أو أي جماعة من لون أو أصل اثني آخر.
3. تقوم جميع الدول، إعمالا لمقاصد هذا الإعلان ولمبادئه، باتخاذ التدابير الفورية والإيجابية اللازمة بما فيها التدابير التشريعية وغيرها، لملاحقة المنظمات القائمة بتعزيزالتمييز العنصري والتحريض عليه أو بالتحريض علي استعمال العنف أو باستعماله لأغراض التمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل الاثني، أو لإعلان عدم شرعية تلك المنظمات، بملاحقة أو بغير ملاحقة.”
فهذه الاتفاقية استهجنت وبشدة اي شكل للعنصرية ومن بينها الخطاب العنصري وعدم اتخاذ الدولة إجراءات للحد منها وقد وقعت دولة الكويت على هذه الاتفاقية في عام 1968.
اأتفاقية (العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية)

ولقد ارتبطت الكويت بهذه الاتفاقية في أبريل 1996 وتنص المادة 20 فقرة 2 على ” تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف”
اتفاقية (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)

نصت المادة 7: “كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة عنه دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعا الحق في حماية متساوية ضد أي تميز يخل بهذا الإعلان وضد أي تحريض على تمييز كهذا.”
الكويت أيضاً موقعه على هذه الإتفاقية ووفق المادة 70 من الدستور فإن جميع الاتفاقيات تعتبر جزءً من القانون الداخلي للدولة وقيد التطبيق المباشر.
الدول التي تحارب خطاب الكراهية:
جميع الدول الديمقراطية التي تدعم حرية التعبير بكافة أشكاله لم يمنعها ذلك من استبعاد خطاب الكراهية من هذه الحماية لأن فلسفة حرية التعبير ليست متوافرة مع هذا النوع من قوائم التعبير عن الرأي.
وهذه بعض الأمثلة للدول التي تجرم مايعرف ب Hate Speech or fighting word
استراليا- بلجيكا- كرواتيا- الهند- استراليا- جنوب افريقيا- البرازيل- الدنمارك-فنلندا-كرواتيا-فرنسا- المانيا- ايسلندا- الاردن-هولندا- النرويج-نيووزيلندا- بولندا-سايبيريا- سنغافورا- سويسرا-تايلند- إنجلترا- الولايات المتحدة الأمريكية- بريطانيا.
بعض الأمثلة
الولايات المتحدة الأمريكية :
قررت المحكمة العليا في أمريكا في العديد من الأحكام على استبعاد خطاب الكراهية من ضمن الحماية الدستورية المقررة في التعديل الأول من الدستور الأمريكي First amendment  ومن هذه الأحكام هي قضية:
 Chaplinsky v. New Hampshire 
وقررت المحكمة في هذه القضية الأتي ” 
There are certain well-defined and narrowly limited classes of speech, the prevention and punishment of which have never been thought to raise any constitutional problem. These include the lewd and obscene, the profane, the libelous, and the insulting or “fighting words” those that by their very utterance inflict injury or tend to incite an immediate breach of the peace. It has been well observed that such utterances are no essential part of any exposition of ideas, and are of such slight social value as a step to truth that any benefit that may be derived from them is clearly outweighed by the social interest in order and morality.
” يوجد بعض انواع التعبير المحددة تحديد دقيق وضيق التي لا يؤدي منعها ومعاقبتها لإثارة أي مشاكل دستوية وهذه تشمل مواد البذائة والفحش والتشهير والإهانة والخطب العدائية التي نطقها يؤدي الى إيقاع الضرر او الى التحريض على خرق فوري للسلام. وقد لوحظ ان هذا النوع من الخطب ليس جزءً أساسياً لعرض الأفكار، وهي جزء من القيمة الاجتماعية كخطوة للحقيقة بأن مصلحة من حرموا منها لاتفوق مصلحة المجتمع في النظام والأخلاق”
كذلك صدر من الكونجرس القانون الخاص باللإتصالات السلكية واللاسلكية وإدارة المعلومات في عام 1993
 (National Telecommunications and Information Administration) وقد تم بالتقرير الصادر منها وضع أول تعريف حكومي لخطاب الكراهية فقررت ان خطاب الكراهية هو :
الخطاب الذي يدعو الى أعمال العنف او جرائم الكراهية
الخطاب الذي يخلق مناخاً من الكراهية والأحكام المسبقة التي قد تتحول الى في تشجيع ارتكاب جرائم الكراهية.”
المملكة المتحدة البريطانية:
صدرت العديد من القوانين التي تحارب خطاب الكراهية او التي تؤدي الى الأخلال بالنظام العام من خلال التهييج وخرق السلام
فقد صدر قانون النظام العام الصادر في 1986 Public order act  التي نصت في (القسم الثالث) من القانون على تجريم الكراهية العنصرية وتصل العقوية الى الحبس لمدة تصل الى 7 سنوات او بالغرامة او احدهما.
http://www.legislation.gov.uk/ukpga/1986/64/section/27#1365595
وصدر قانون العدالة الجنائية والنظام العام في 1994 (Criminal Justice and Public Order Act)
بتعديل قانون النظام العام الصادر في 1986 بإدخال الجزء الرابع في القانون السابق بحبس من يؤدي الى إيذاء شخص او فئة بالتهديد او الاستغلال الى الحبس لمدة تصل الى 6 اشهر او بالغرامة.
http://www.legislation.gov.uk/ukpga/1994/33/contents
كذلك صدر قانون الكراهية الدينية والعنصرية (Racial and Religious Hatred Act 2006) بتعديل أحكام قانون النظام العام الصادر 1986 وتصل عقوبة الحبس الى 7 سنوات 
http://www.legislation.gov.uk/ukpga/2006/1/schedule
بل لخطورة خطاب الكراهية فقد صدر قانون جرائم كرة القدم الصادر في 1991 (The Football Offences Act)  تمنع من الهتافات العنصرية والغير اللائقة اثناء المباريات
http://www.legislation.gov.uk/ukpga/1999/21/notes/contents
فرنسا:
وكذلك الحال في فرنسا فقد نص القانون الجنائي  بالمرسوم (Décret n°2005-284 du 25 mars 2005)
 في المادة R. 624-3 الصادر في 2005 على عدم جواز إهانة شخص أو فئة لأسباب تتعلق باللون او العرق او اللغة او الدين او غيرها من الصفات 
http://www.legifrance.gouv.fr/affichTexte.do;jsessionid=1B09771D3B23D96B137C9169E86B67F4.tpdjo13v_2?cidTexte=JORFTEXT000000257363&dateTexte=&oldAction=rechJO&categorieLien=id
ب-  النظام القانوني لخطاب الكراهية في الكويت:
لايوجد ما يسمى صراحة بقانون منع خطاب الكراهية في الكويت ولكن قد يستفاد ضمنياً من بعض العبارات الواردة في قانون أمن الدولة تبنيها لهذه المسألة وهذا ماورد في القانون رقم 31 لسنة 1970 وفي المادة رقم 29 عندما نصت
” كل من حرض علينا او في مكان عام ، او في مكان يستطيع فيه سماعه او رؤيته من كان في مكان عام ، عن طريق القول او الصياح او الكتابة او الرسم او الصور او اية وسيلة اخرى من سوائل التعبير عن الفكر ، على قلب نظام الحكم القائم في الكويت وكان التحريض متضمنا الحث على اغيير هذا النظام بالقوة او بطرق غير مشروعة ، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز عشر سنوات. 
يحكم بنفس العقوبة على كل من دعا بالسوائل السابقة الى اعتناق مذاهب ترمي الى هدم النظم الاساسية في الكويت بطرق غير مشروعة ، او الى الانتقاض بالقوة على النظام الاجتماعي او الاقتصادي القائم في الكويت”
فما قام به الجويهل يعتبرمن قبيل هدم النظم الاساسية المتعلقة بالنظام الإجتماعي فليس مقبول من فئة من فئات المجتمع ان تقوض هذا النظام بالدعوة الى الكراهية
فهدم النظام الاجتماعي يكون بطريق الخطب التي تحض وتحرض على اشخاص بسبب لونهم او الفئة التي ينتمون اليها او بسبب المذهب الذي يتبعونه او بسبب الجنسية
كذلك هناك مخالفة من قبل القناة سكوب بمخالفة القانون 61 لسنة 2007 بمخالفة المادة 11 فقرة 2 التي نصت ” 2- التحريض على قلب نظام الحكم في البلاد أو الحث على تغيير هذا النظام بالقوة أو بطرق غير مشروعة، أو الدعوة إلى استعمال القوة لتغيير النظام الاجتماعي والاقتصادي القائم في البلاد، أو إلى اعتناق مذاهب ترمي إلى هدم النظم الأساسية في الكويت بطرق غير مشروعة.”
كذلك الفقرة 6 “خدش الآداب العامة أو التحريض على مخالفة النظام العام أو مخالفة القوانين أو ارتكاب الجرائم.”
والعقوبة تصل الى سنة كحد اقصى وهذه المسائل لا استهانة بها فالنظام الاجتماعي لا يجوز التهاون معه ويجب تطبيق القانون بشكل سريع ومباشر.
ووجود القيادات الرسمية في الدولة في بعض ندوات للمرشحين المصدرين لخطاب الكراهية يعتبر تبني رسمي مرفوض في جميع الدول لإعتبارات عدم تبين الدولة لهذا الخطاب وهي التي الزمها القانون بالحد من هذا الخطاب.
ج- الجويهل “والإشتهار بقالة السوء والتردي فيما يشين”
نتيجة قرار شطب المرشح محمد الجويهل في 2008 قام بالطعن امام المحكمة الدستورية بالانتخاب لإعادة الانتخاب في الدائرة الثالثة فقد قامت المحكمة الدستورية برفض الدعوى وقررت مجموعة من القواعد الجديدة لم ترد لا في قانون الانتخاب ولا في السوابق القضائية للمحكمة الدستورية منها:
(بعد ان تطرقت المحكمة لشروط الناخب وشروط الترشح قالت المحكمة “كما انه غني عن البيان ان ثمة شرط لاريب فيه هو شرط حسن السمعة وان كان قانون الانتخاب لم يورده ضمن الشروط اللازمة للترشيح الا ان هذا الشرط تقتضيه طبيعة الوظيفة النيابية لعلو شأنها وأهمية مسئوليتها وخطورة واجباتها ويعد هذا الشرط من الاصول العامة في التوظيف وتقليد المناصب النيابية والتنفيذية ولا يحتاج الى نص خاص يقرره وهو شرط يتعلق بالسلوك الشخصي للمرشح ويقصد به الا يكون قد اشتهرت عنه قالة السوء أوالتردي فيما يشين صوناً لكرامة السلطة التشريعية وحفاظاً لهيبتها وضماناً لتمثيل الأمة في مجلسها النيابي… فلا يلزم لسوء السمعة صدور أحكام مخلة بالشرف او بالأمانة ضد المرشح….
وقد افصحت الجهة الادراية عن اسباب قرارها سالف الذكر(بشطب الجويهل) بأن الطاعن قد سبق ان قدم الى المحاكمة الجنائية أكثر من مرة في جرائم نصب وتزوير وإساءة استعمال هاتف صدرت فيها احكام قضائية اما بتقرير الامتناع بالنطق بالعقاب او بالاعفاء منه….. فلهذه الأسباب تم رفض الطعن.”)
فيلاحظ من الحكم الاتي:
1- الجويهل سيء السمعة واشتهر عنه قالة السوء والتردي فيما يشين ولا يحتاج الى احكام مخلة بالامانة والشرف في هذه المسألة وانما هي يتم تقريرها بما تواتر عن الشخص وحسن وسوء السمعة صفة تبقى مع صاحبها مدى الحياة وليس لها علاقة برد الاعتبار القانوني او القضائي لذلك لان الشخص اشتهرت عنه القول بالسوء فلا يصح ان يتبوأ اي منصب قيادي او ان يكون ممثلاً عن الأمة وفق قرار المحكمة السالف الذكر
2-  قررت اضافة شرط لم يتم ذكره في قانون الانتخاب وبالتالي هذه الاستزادة لا بد ان تكون ملزمة لها في المستقبل خصوصاً انه لم يمضي على الحكم اكثر من اربع سنوات.
3- يجوز حتى ولو حصل المرشح الجويهل على الاصوات التي تؤدي الى فوزه وفق الفرز الانتخابي بالمقعد النيابي لأي ناخب في الدائرة الثالثة او من له حق الطعن بالطعن على فوز المرشح الجويهل امام المحكمة الدستوررية بإعتباره فاقدأ لشرط حسن السمعة التي اقرته المحكمة في حكمها وانه لا يصلح ليكون ممثلاً عن الأمة في البرلمان
في النهاية يسري على المرشح نبيل الفضل ما يسري على المرشح الجويهل بإعتباره مصدراً لخطاب الكراهية وفاقداً لشرط حسن السمعة المقرر بحكم المحكمة الدستورية.
هذا والله أعلم
د.فواز الجدعي (أستاذ القانون الدستوري جامعة الكويت)