كتاب سبر

ضريبة الحرية!!

من أكثر المصطلحات تعقيداً في عصرنا الحاضر مصطلح الحرية، فقد ذهب الناس في تعريفه إلى مذاهب شتى بين متوسع في تعريفه ليشمل حتى ممارسات الشذوذ التي أجمعت الفطر السليمة على إنكارها والنفرة عنها، وبين مضيق لم يزد على إدخال ممارسات الرجل في بيته شيئا!
ولو أردنا تتبع تعاريف الحرية في شتى المناحي لوجدنا أن الإسلام أعطى الحرية أعظم وأشمل مفهوم، وهذه ليست مقارنة، فالإسلام أعلى وأعظم من أن يجعل في خط واحد مع المذاهب الأرضية، فهو دين سماوي من لدن عزيز حكيم، حيث جعل الحرية هي إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، فبهذا التعريف يخرج الإنسان كل أنواع العبودية من قلبه وينكب على عبادة رب العباد، الذي لا تزيد عبادته وتوحيده العبد إلا حرية.
ولو نظرنا لممارسات الناس وفق مفاهيم الحرية، لوجدنا أن الإسلام غرد خارج السرب بما معه من مميزات جعلته يتربع على عرش الصدارة، فالإسلام جعل المرء حرا في تصرفاته، ولم يقيد حريته إلا بما أمر به الشارع الحكيم، وبما يتعدى على حرية الآخرين.
ولكن هناك أناسا أعمى الله بصيرتهم عن كل خير في هذا الدين، فذهبوا يتلقفون كل ما عند الغرب على أنه حق ويجب الاتباع دون تمحيص وعرض لما يأخذونه، فأصبحنا نسمع عن مطالبات بحقوق المثليين في العالم الاسلامي، وأصبحنا نرى مطالبات تأباها الفطر السليمة فضلا عن الدين!
والعجيب أن أرباب النداءات الشاذة للشواذ، لا يعلمون أن الحرية المطلقة لا توجد حتى في بلاد تصدير الحرية الموهومة! ولو نظرنا لكتابات المنظرين والساسة في الغرب لوجدنا كثرا منهم يجعل من التعدي على حرية الآخر نهاية لحرية الفرد كما قال مونتسكيو: 
«تنتهي حريتك حيث تبدأ حرية الآخرين».
وكما جاء في المثل الأميركي: «تنتهي حريتك عندما تمس يدك الممدودة أنف رجل آخر»!
فالقيود للحرية أمر يكاد يكون بديهيا؛ لأن النفوس تتفاوت بين القرب من الفضيلة، والبعد عنها، وتختلف قابليتها للأخلاق الفاضلة، وعدم القابلية، فإذا كان العقلاء مجمعين على وجوب وضع قيود للحرية، فأي قيود التي تستحق الوضع، أقيود أناس انتكست فطرهم وأصبحوا يعظمون الحيوان ويورثونه الملايين في بلاد يوجد به آلاف بل ملايين الفقراء؟ أم قيود الدين السماوي الذي نزل من عزيز حكيم عليم بما يصلح أحوال عباده!
قطعاً إن أولى القيود والضوابط للحرية هي القيود من أجل الحرية، وليست القيود على الحرية! وقيود الدين الإسلامي قيود تجعل من الحرية فضيلة وممارستها ديانة وقربة لله عز وجل، فالحرية هي الحياة، ولكن لا حرية بلا فضيلة، كما قال فيكتور هيجو!
نحن في الكويت كنا في السابق نحمدالله عز وجل على ما وهبنا من حرية لا توجد عند غيرنا، ولكن اليوم اصبحنا نستعيذ بالله من هذه الحرية. فالحرية عندنا اتاحت للمتردية والنطيحة التعدي على الفضلاء،والحرية عندنا اتاحت لعديمي المروءة المطالبة بالاختلاط، والحرية عندنا اتاحت للفسقة المطالبة بترخيص الخمور، والحرية عندنا اتاحت لبعض الملحدات التعدي على ثوابت الدين، والحرية عندنا اتاحت لخريجي السجون واصحاب السوابق التصدي للكلام في القضايا المهمة، والحرية عندنا اتاحت لاصحاب الاجندات الخارجية التعدي على شقيقاتنا من دول مجلس التعاون، وهلم جرا من رزايا تُمارس باسم الحرية!
اذا كنا فعلا نريد ان ينتفع من الحرية ونجعلها سبيلا لاصلاح الاخطاء وتقويم السلوك، فلابد ان نضع خطوطا عريضة يكون مرجعنا فيها دين الله جل وعلا حتى نستطيع التمييز بين الحرية والتعدي على الاخرين باسم الحرية، وحتى نستطيع ان نميز بين النقد البناء الذي يشخص الداء ويضع الدواء وبين النقد الهدام المبني على الحقد والكراهية، وغير ذلك من فوائد سنجنيها اذا اصطلحنا واتفقنا على هذه الخطوط فإنها ستعود على الحرية بكل ما هو ايجابي وتبعدها عن كل ماهو سلبي!
أبو الجوهرة
عبدالكريم دوخي المنيعي
تويتر:a_do5y