أقلامهم

وما للكويت من “صفية”

تلقت سبر مقالة بعنوان “وما للكويت من صفية” للكاتب “مراقب حضري”، وتقدم سبر المقالة لجمهورها؛ انطلاقًا من مبدأ حرية التعبير عن الرأي، مؤكدة اتساع صدرها للاختلاف في الآراء، بما لايخلُّ بجودة المقالة ومضمونها، والتزامها بأدبيات الكتابة، وفيما يلي نص المقالة:- 

إن كان لـ ” سعدٍ “…” صفيّة ”  تغطيه.. فما للكويت من ” صفيّة “.. الكويت باتت عارية بلا غطاء ولا من يغطي.. هذا ما نستنتجه من نتائج انتخابات مجلس الأمة التي فجعتنا في صبيحة يوم الجمعة الثالث من فبراير لعام 2012.
لا أظن أحدًا من أهل الوعي والإدراك تفاجأ بهذه النتيجة ولا الذين يتابعون مجريات الأحداث ومساراتها فاجأتهم هذه النتيجة.. إن الكويت تنتحر والكويتيون ينحرون وطنهم..
إن العقل الجمعي الكويتي لم يتوصل بعد إلى مفهوم مسؤولية الفرد الجماعية.. ومازالت الفردية لا ـ القبلية ولا الطائفية ولا العنصرية ـ هي المسيطرة على عقلية الفرد الكويتي.. بمعنى أن من ينتخب ابن القبيلة أو ابن الطائفة الدينية أو الاجتماعية.. هو لا يختار من منطلق جمعي، ولكنه يختار من منطلق فردي؛ فهو إذ ينتحب ابن طائفته أو ابن  قبيلته، فهو يمارس أنانية وفردية؛ أي إنه ينتخب نفسه.. ولكنه يتمترس خلف من ينتخبه؛ لأنه بات يحس أن لا متراس ولا حامي له.
هذا نوع من الأنانية يمكن أن نطلق عليه الأنانية الجمعية أو أنانية المجموعة والجماعة.. وهي حالة تتولد نتيجة إحساس هذه الجماعة بعدم وجود حماية عامّة لها، لذلك هي تتقوقع داخل ذاتها أو شرنقتها وتبحث عن القريب الذي يصلح لأن يكوّن هذه الشرنقة أو الرحم الذي تلجأ إليه وتتشرنق وتتقوقع داخله، فتجد في القبيلة والجماعة والطائفة والمذهب.. الملجأ الذي يشكل لها الحماية والقوة والقدرة على مناهزة الآخر ومناهضته، وربما مصارعته ومحاولة الإطاحة به انتصارًا للذات الفردية من خلال الانتصار للذات الجمعية.
وكلنا ككويتيين، نعيش هذه الحالة وكلنا متعنصرون وطائفيون وقبليون ومذهبيون.. أي إننا جميعا أنانيون ونريد حذف الآخر وهزيمته والإطاحة به.. وهذا ما كشفته نتائج انتخابات مجلس الأمة، التي تبدو واضحة تمام الوضوح في الدوائر كلها تقريبًا.. وأصرخها صوتا وأوضحها رؤية.. نتائج الدوائر الأولى والثالة والرابعة؛ ففي الدائرة الأولى ـ مثلا ـ فاز بالمقعد الأول فيها وحصد أكبر عدد من الأصوات.. الأكثر تطرفا للمذهب الشيعي.. الذي صرّح علانية بأن ولاءه لـ”خامنئي” مرشد الثورة الإيرانية.. رغم أن هذا النائب لم يكن يوما من النواب المبرزين أو من ذوي الشعبية.. أومن أصحاب  المواقف التي تستجلب الحشد والشعبية.. وفي المقابل نجد أن هذه الدائرة أسقطت من كانت الحائزة على المركز الأول قبل سنتين ونصف فقط..(معصومة المبارك)..
وما اصطفاف شيعة الدائرة الأولى وراء ذلك النائب إلاّ لأنه أعلن تطرفه المذهبي.. ولحساب شخصية سياسية ليست على وئام مع الكويت التي جاء هذا النائب ليمثلها!!
 
وكذلك أسقطت النائب حسن جوهر؛ لأن مواقفه الطائفية لم ترق لغلاة الطائفية في الدائرة.. بمعنى أنه لم يكن طائفيا.. ولأنه يدرك أن البرلمان وضع للعمل السياسي، وليس حسينية ولامسجدا ولا مزارا دينيا وليس مكانا صالحا لتأكيد التديّن والالتزام الطائفي.. وكان الرجل وحسب ماعلمت يدرك أنه ومن خلال فهمه الواعي هذا وممارسته للعمل البرلماني بشكله الصحيح والمطلوب ومن خلال مواقفه التي تعكس فهمه ذاك كان يدرك أنه يخسر طائفيا وأن الطائفيين لن يمنحوه أصواتهم، ولكنه ورغم ذلك فضل أن ينسجم مع نفسه ويسير على جادة الحق حتى لو كان ثمن ذلك مقعده البرلماني.
هذا الموقف النبيل والواعي والذي نتمناه في جميع سياسيينا، لم يقابله أبناء الطائفة السنية في الدائرة الأولى بالتقدير.. بل ذهبت بهم عنصريتهم وطائفيتهم وفئويتهم إلى مناصرة بعضهم بعضا وإقامة تحالف بين ممثليْن لتياريْن دينيّيْن سنّيْين هما السلف والإخوان.. رغم أن وجود عنصر مثل حسن جوهر هو أفضل كثيرا للوطن وللعملية الديمقراطية الكويتية والحالة السياسية الكويتية من ذينك النائبين اللذين سيمارسان دور الببغاء يرددان ما يمليه عليهما تياراهما.. وما سوف يمليه ذانك التياران هو بعيد كل البعد عن العمل السياسي وعن مصلحة الكويت ولن يتعدى دروسا في الأخلاق والعبادات والمزيد من التقييد.
حالة التعنصر منعت قيام تحالف بين حسن جوهر وأحد رموز السنة في الدائرة مثل عبدالله الرومي أو أحد مرشحي قبيلة العوازم مثلا؛ لأن حالة الاستقطاب العنصري والفئوي ستفشل مثل هذا التحالف.. وعلى افتراض قيام مثل هذا التحالف “الأمني “.. فإن الشيعة سيمتنعون عن منح أصواتهم للطرف الشيعي في ها التحالف، وكذلك سوف يفعل السنة؛ لأن كلاّ منهم ينظر إلى القضية من خلال منظور عاطفي وبما  تختزنه العاطفة من فئوية ونصرة المجموع والفئة التي تنتمي إليها هذه الأطراف شيعية كانت أم سنية.. ولن ينظروا إليه نظرة عقلانية تعمل للمصلحة الوطنية العامة وتتفق مع طبيعة العمل السياسي..
والحقيقة، فإذا كان هناك من يستحق التهنئة في هذه الدائرة فهو حسن جوهر نفسه؛ لأن الفشل في بلوغ مثل هذا المجلس هو النجاح الحقيقي والعمل في مثل هذا المجلس لا أظن أنه يشكل طموحا لمن يؤمن بالعمل السياسي والبرلماني الحقيقي.. وهي على كل تهنئة أكررها لكثيرمن العناصر التي أخفقت في الوصول إلى مقعد في برلمان الشوك والسهام والنبال والحروب.. أو برلمان ” ابن الأرقم” الذي سيُدخلنا الإسلام من جديد.. لأن إسلامنا لن يروق للقادمين على صهوات الخيل إلى الندوة البرلمانية.. وفي أيديهم كتب العلوم الشرعية.. وفي لحاهم مازال عالقا غبار ” غزوة بدر” وغزوات صدر الإسلام جميعا!!
                                                                  ×××××××××××
وفي الدائرة الثالثة نرى العجب العجاب ونرى المستحيلات قد تحققت؛ بوصول محمد جويهل ونبيل الفضل إلى البرلمان.. ومع احترامي لشخصيهما.. فإن أدوات وصولهما إلى البرلمان لا تستحق الاحترام.. ولكن لعل من حسنات هذه الأدوات أنها كشفت لنا حقيقة العقلية الكويتية القائمة على العنصرية والفئوية والرغبة الحقيقية في إلغاء الآخر.. رغم أن هذا الآخر.. ابن وطن وليس محتلا ولا غريبا وإيذاؤه إيذاء للوطن ـ  إذا كنا نعرف مايعنيه الوطن وما تعنيه الوطنية ـ والأدوات المستخدمة والأساليب التي استخدمها الاثنان لم تكن أدوات ولا أساليب توافق أساليب الترشيح لبرلمان.. بقدر ما هي أساليب شارعية غوغائية صبيانية ولغة سطحية لا يليق بمن يطرح نفسه ممثلا للأمة أو لأي نوع من أنواع العمل العام أن يتفوّه بها.. وهي لغة تجاوزها ” صبيّان “الشارع الكويتي.. منذ زمن قديم.. فكيف  تتحوّل إلى  خطاب سياسي على لساني السيدين جويهل والفضل.. والأغرب من ذا وأعجب من ذاك.. أن تجد لها مصفقين ومؤيدين وهتيفة ثم ” صوّيتة ” بالآلاف يدفعون بهما إلى شرف تمثيل الأمة!!
فأيّ أمّة سيمثلها هذا الذي جعل حملته الانتخابية قائمة على التوزيع الجغرافي وابتدع خارطة (داخل السور وخارجه).. وكأنما الدول تنكمش داخل أسوارها وما علم أن لكل الدول وفي كل المدن أسوارًا.. ولم يُقصر أحد من أبناء تلك الدول أو المدن المواطنة والانتماء على من كان بيته يقع داخل الحدود الضيقة لهذا السور أو ذاك.. فلم نسمع أيّا من مصريّي (الفسطاط) التي أقامها ” عمرو بن العاص “.. يقول إن المصريين هم سكان ” الفسطاط ” فقط!! ولم يقل سكان ” قاهرة المعز لدين الله الفاطمي “.. إن المصريين هم فقط من كانوا داخل أسوارنا!!
تهافت مثل ذلك الخطاب الجاهل الأجوف لا يستحق الرد، ولكنني اضطررت للاستشهاد به لا لتفنيده أو لجمه وسحقه.. ولكن أردته تكية أتّكئ عليها.. لبلوغ هدفي من هذه المقالة، وهو تحليل العقلية الجمعية الكويتية التي تنساق وراء الخطاب التفتيتي التافه..الذي ترى فيه كل فئة من فئات المجتمع الكويتي تنفيسا عنها وانتصارا لها.. ولا أدري في المقابل انتصارًا على من؟ ولا كيف ينتصر الكويتي على الكويتي؟ وهل هو حقا بحث عن نصر؟.. أم أن العقلية والنفوس الكويتية لم تدرك حتى الآن ما الذي تعنيه المواطنة.. وأن فراغ الترف الذي يعيشه الكويتيون هو الذي جعلهم يتحزبون ويبحثون عن انتماءات صغيرة يكبرون بها.. أو هكذا هم يعتقدون!!
ولا بدّ من إضافة هنا ـ  لا أتحمّل مسؤوليتها، ولكنها معلومات تواترت ممن هم في الساحة الانتخابية ـ وهي أن أصوات شيعة الدائرة الثالثة هي التي ساهمت في إنجاح جويهل والفضل.. وهنا أيضا لايقع اللّوم على شيعة الدائرة الذين يعتقدون أنهم وبإنجاحهم لهذين المرشحيْن.. إنما يثأرون ممن يعتقدون أنه يناصب مذهبهم العداء.. عداء وصل حد التكفير.. وأن الجويهل والفضل سيحاربان نيابة عنهم.. وقبل أن أغادر هذه الدائرة لابد من إزجاء التهنئة لأسيل العوضي وصالح الملاّ للأسباب ذاتها التي استحق عليها حسن جوهر التهنئة.
                                                                     ××××××××××  
وبالانتقال إلى الدائرة الرابعة.. نجد العقلية ذاتها والمسببّات عينها والاصطفافات نفسها.. فهناك أيضا احتمت المجاميع القبلية برموز القبيلة في الساحة الانتخابية وهي ـ الرموز ـ  التي تعرضت للتجريح على لساني ( الحضريّيْن) جويهل والفضل.. رغم أن خطاب الرموز القبلية لم يخلُ من عصبية وبعد عن المضامين السياسية.. وشموله لإثارة النعرات والتهديد وتهييج الجماهير القبلية للانتصار للفرد المرشح ولكنه لايسير على  الطريق المباشر لطلب (الفزعة) لشخصه.. ولكنها فزعة للقبيلة.. وهكذا ثارت الجماهير القبلية المعبّأة والمشحونة بخطاب الكراهية إلى اللجوء إلى العنف وإحراق المقر الانتخابي للمرشح جويهل واقتحام مقر قناة الوطن بحثا عن ” الكردي ” نبيل الفضل!! والقصد من وراء إطلاقهم صفة ” الكردي “على المرشح الفضل.. هو الإهانة والتشكيك بالمواطنة وهنا نكتشف أن من يعانون من الخطاب الفئوي والتشكيك بمواطنتهم.. أنهم يستخدمون الخطاب ذاته الذي عانوا منه ورفضوه شكلا ولكنهم قبلوه ضمنيا بدليل استخدامهم له.
                                                                 ×××××××××××
الخلاصة: إننا مقبلون على حقبة سياسية خطيرة خطيرة خطيرة.. لأن النزعة الفئوية هي سيّدتها.. وكلّ يرى أنه لن ينجح دونها.. وما لم تكن هي عدّته في حياته السياسية.. والكراهية الحقيقية بين فئات المجتمع باتت حقيقة وواقعا لا يمكن إنكارهما.. والدليل على ذلك اختيار كل فئة من فئات المجتمع ( صقورها ) لإيصالهم إلى البرلمان؛ لأن كل فئة من هذه الفئات الكويتية ترى نفسها مقدمة على حرب.. والحرب عدّتها المقاتلون الأشدّاء.. والصقور الجارحة القادرة على اصطياد فرائسها.. والوقت ليس وقت الحمائم؛ لأنّ الآذان الكويتية لا تستطيب سماع هديلها.
يتبقى الآن أن نقول لأولئك (الصقور) وللفرسان ـ في كلا الفريقين ـ الذين يشحذون سيوفهم استعدادًا لمعركة الحسم.. إن بيدهم إعادة السلام إلى بلادنا وعليهم عدم إثارة مكنونات الماضي وعدم استعادة الخطابات الانتخابية وضرورة تجاوزها من أجل التفرغ للعمل البرلماني والسياسي الذي جاؤوا من أجله وعليهم أن يدركوا أن الثأر الشخصي واستمرار العداوات الفردية ليس مكانها قاعة البرلمان.. كما أن عليهم التخلي عن سلاح الجماهير؛ لأنه سلاح خطير.. أوّله نشوة وفرح، ولكن عقباه شوك ودم وندم.
الكويت في أعناقكم ولا نشك في وطنيتكم، ولن تخيّبوا آمالنا والأمل بكم كبير.
                                                                 ××××××××
حاولت أن أكون عقلانيًا وموضوعيًا فيما كتبت.. فإن وفقت فذلك مرادي.. وإن زللت وشطت بي العبارة.. فأطلب السماح منكم ـ راجيًا وسائلا ومتوسّلا ـ لا مترفعًا ولا متكبّرًا ولا منّانا!!
وللكويت السلام.. و( صفية)!!  
بقلم: مراقب حضري