كتاب سبر

عبيد أكبر من السور

عندما بُني سور الصين العظيم، كان الهدف منه صد هجمات قبائل الشمال من تُرك وتتر ومغول، ثم تحول السور تدريجياً إلى سجن عزل الصينيين عن باقي العالم لعدة قرون، دون أن يشعروا به، فلا نريد للديمقراطية الكويتية أن تكون ذلك السور الذي يعزل الكويت عن العالم من حولها مثلما هو حاصل اليوم، كما لا نريد للديمقراطية أن تتحول في الكويت إلى أحد المعالم الأثرية، مثلما حدث لسور الصين العظيم!
كم هو غريبٌ أمر أولئك المتسوّرين.. يزايدون كثيراً في قضية السور ومدى انتمائهم إليه، وكأنهم على غير علم باستشهاد العديد من أبناء القبائل ذوداً عن الكويت أسفل أسوارها، وبمرابطة الكثير منهم على مداخل ومخارج السور لحمايته والتصدي لمن يحاول العبث به، ولا دلالة على ذلك، أكبر من تخليد اسم لأحد أجداد الوسمي على إحدى دروازات السور.. دروازة البريعصي!
 
يتحدث الروائي الأمريكي ستيفن كوفي في كتابه (العادات السبع للناس الأكثر فاعلية) عن قصته مع الرجل الذي ركب معه القطار مصحوباً بأطفاله الذين كانوا يتقافزون من مقعد إلى آخر، وصراخهم يكاد يصمّ آذان الركّاب دون أن يكلف الأب نفسه عناء النظر إليهم.. لم يحتمل ستيفن تلك الفوضى العارمة، فهاجم الرجل بكلامٍ قاس، ووابل من التوبيخ طالباً منه أن يضبط أطفاله!
انتبه الرجل فجأة وقال له: المعذرة، فقد توفيت والدتهم في المستشفى قبل قليل ولم أنتبه لهم من هول الصدمة، أنا آسف) ، عندئذٍ لم يعرف كوفي ماذا يفعل، وتمنى لو أنه تريّث قليلاً قبل أن يحكم على الرجل ويتهمه بالإهمال.
إن ما قام به ستيفن مع فارق الموقف، هو تصرف مألوف يمتهنه العديد من كويتيي السور -كما يصفون أنفسهم- فلا يكاد أحدهم يرى شخصاً غريباً، حتى يبدأ بإطلاق أحكامه عليه، وخصوصاً إذا كان ذلك الشخص ينحدر من ثقافة أخرى أو بيئه مختلفة.
فأغلبهم يحمل في داخله قاضي صغير، ولكنه ظالم في كثير من الأحيان، ومتسرع في إطلاق أحكامه.. قاضٍ لم تنصّبه المحكمة، بل إنه حتى لم يدرس القانون، وإنما هو نتاج التلقين المتوارث لسياسة استمرار الانعزال ونبذ الآخرين.. ولذلك يرفض هذا القاضي أي صلح بين المرء وبين نفسه عند محاولة التجرد من هذه النزعه اللاأخلاقية. 
عبيد وبكل بساطة كان مسؤولاً عن كلامه وما يصدر عنه من قول، لا عن فهم الآخرين لكلامه وما يقول، فحاله أشبه بحال صاحب ستيفن عندما أطلق عبارته الشهيرة (الكلاب من الكويتيين)، إذ لم يلبث عنصريو السور أن قاموا بإزالة حرف الجر (من) عن هذه العبارة لتأويلها عن معناها الصحيح، متهمينه بنعت سائر مواطني الكويت بـ (الكلاب)، وتسارعوا جميعاً؛ لإصدار أحكامهم العنصرية في حقه، فمنهم من طالب بضرورة محاكمته، ومنهم من قام بتأييد سحله وضربه، ومنهم من برر سجنه وامتهان كرامته.. وعلى الرغم من كل هذا الظلم والإجحاف، فقد أحرج الوسمي هؤلاء وتغلب عليهم عندما قام مخيراً غير مسير بتفسير ما عناه في عبارته هذه.. (ألا يصح على أصحاب اللحوم الفاسده مصطلح كلاب)؟
ليصبح عبيد بذلك في موضع صاحب ستيفن، وقطعاً لن يصبح العنصريون في موضع ستيفن، فقد كان حكم ستيفن متجرداً من كل نزعة عنصرية خلافاً لأحكام هؤلاء المرضى، وأجزم أن مسألة علاجهم من مصابهم هذا، تتطلب منهم أولاً الإقرار بـ (مرض النفس وكراهيتها) وتقبل الدخول في برنامج إعادة التأهيل الإجتماعي، لـ يتسنى لهم قهر (النفس) مع عدم إهانتها أو احتقارها؛ إذ هي أمارة بالسوء، وهي كذلك تدينك كما تدينها.. والجزاء من جنس العمل، فقهر النفس يؤدي بالضرورة إلى التصالح معها والتمكن من التحكم بها، فأن تتصالح مع نفسك يعني أن تَقْبل الآخر، بكل اختلافاته وتناقضاته ليس لأنك تحبه، ولكن لأنك وبكل بساطة لا تكرهه!
هؤلاء لم ينظروا إلى غاندي ومانديلا ومارتن لوثر كنج، كأمثلة على أشخاص عقدوا صلحاً أبدياً مع أنفسهم، لكونهم اكتشفوا بأن كره المرء لنفسه هو أسوأ خطيئة يرتكبها الإنسان في حياته وبعد مماته…. يستغرب البعض كيف استطاع مانديلا العيش في زنزانة صغيرة طوال سبعة وعشرين عاماً، والجواب ببساطة هو أن مانديلا تجاوز نفسه ليتصالح مع الكون كلّه ومع الوجود، فاتسع قلبه لكل شيء، فهو وأقرانه أوجدوا سعادتهم في عنابر السجون، وفي مخيمات المعدومين والفقراء!
ويخطئ من يعتقد بأن مبادرة عبيد للوصول لمجلس الأمة نابعة من وزاع الانتقام ومدفوعه به، بل هي مبادرة سامية؛ لتغيير لغة الخطاب السياسي في الكويت بعنوان (الكويت أكبر من السور) وإعادة الأمور إلى نصابها الحقيقي تحت شعار (احترمونا نحترمكم)..!
                                    ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ،،، ويأتيك بالأخـــبـــار مـــن لــم تُزودِ 
                                                                                ***********
قم بجمع حصيلة أعداد أصوات كل من الجاهل والأصلع والبنفسجي مجتمعين، أو حصيلة أصوات كل من  الصقر والراشد والغانم والمطوع مجتمعين، أو حصيلة أصوات أسيل والملا والروصان والجسار مجتمعين، وقارن كلاً منها بحصيلة أعداد أصوات عبيد منفرداً.. وستعرف حقاً أن عبيد  أكبر من السور! 
FaisaiBnOmer@