كتاب سبر

الثورة المسروقة

مر هذا الأسبوع، عام كامل على خلع الرئيس المصري السابق حسني مبارك، لم تحتفل مصر بثورتها، ولا بنجاحها في خلع الرئيس السابق؛ لأنها بدت مشغولة بخلع من تركهم خلفه، أقصد المجلس العسكري.
في ذكرى تنحي مبارك، قرر المصريون الدخول في عصيان مدني، وإضراب عام، ربما للتأكيد على أن الثورة قد سرقت، وأن من سرقها يجلس الآن على أعلى مقعد في البلاد، تراجعت الفرحة بسقوط نظام مبارك، وتقدمت الرغبة في إسقاط بقايا نظام مبارك التي تجذرت أكثر خلال هذا العام.
لم يكن يستطيع أحد أن يخلع مبارك من مكانه، الذى تجذر فيه عبر ثلاثين عاما، فكل القوى السياسية المتصدرة المشهد السياسي الآن لم تكن تستطيع،  بل إنها كانت تنافق مبارك وعصابته وتعقد الصفقات معها، لكن استطاع الشعب المصري الذي وقف يدا واحدة في إسقاطه، لكن نجح المجلس العسكري في تفريق هذا الشعب طوال عام كامل.
 المرشد الحالى لجماعة الإخوان المسلمين، محمد بديع، الذى يبدو للناس أنه يدير البلاد الآن، كان يخاطب مبارك باعتباره والد المصريين، قال ذلك بعد أن تولى المنصب بعد المرشد السابق مهدى عاكف، فى محاولة منه للتهدئة مع النظام بعد أن أصبح كثير من القيادات الإخوانية فى السجون، وعلى رأسهم خيرت الشاطر، وتاجر الأدوية الذى ما زال «يلعب» باسم الحزب السياسى التاريخى.. فقد كان يسير بأمر أجهزة الأمن، حماية لمصالحه التليفزيونية و”العقارية”، وكان جاهزا دائما فى الخدمة.. يشترى صحيفة لصالحهم، أو يبيع أى شىء، أو يقدم هدايا فى مقابل حماية مصالحه الشخصية.. وامتيازات فى سجلات الأدوية.. والتهرب من الضرائب وخلافه، والإعلامى السياسى “الجعجاع” الذى كان يعلن نفسه متحدثا باسم قيادى الحزب الوطنى “الساقط” أو باسم مبارك المخلوع شخصيا، نافيا أن يكون الرجل يرغب فى توريث ابنه السلطة، وهو الذى لم يبت ليلته عندما التقى المخلوع فى إحدى المناسبات وهاجمه المخلوع مشككا فى ثروته التى حصل عليها من النضال لصالح أنظمة غريبة ومتعددة ومتخاصمة أحيانا، عندما قال له فى حضور شخصيات كثيرة “هات فلوسك ونحطها على فلوسى.. ثم نقسمها من تانى”.. فى إشارة إلى أنه يملك أموالا كثيرة أكثر من الأموال التى فى حوزة مبارك التى تبين بعد خلعه أنها بالمليارات! لم يبت ذلك الجعجاع ليلته وتركه المخلوع فى حاله.. ولأنه يعرفه جيدا ويستخدمه ويحافظ عليه بطريقته تلك أوصى سكرتيره الخاص أن يحدثه فى التليفون، ليقول له إن “الرئيس المخلوع” كان يهزر معه.. فتنفس “الجعجاع المناضل” الصعداء.. ليعود إلى طريقته.. ويتحول إلى نفاق السلطة، أى سلطة، ويدعى أنه صاحب البلاغات الكبرى لصالح أى نظام فى السلطة، وأيضا الإعلامية “الباكية”.. التى لم تكن تقل خطورة على الثورة من الإعلامى “الجعجاع” أو تاجر الأدوية بتبنى أفكار الخطاب العاطفى لمبارك، الذى خدم فيه البلاد أكثر من خمسين عاما ويريد أن يموت على هذه الأرض.. وأنه لم يكن “ينتوى” الترشح للرئاسة مرة أخرى.
 
ناهيك ببعض الإعلاميين “الفكة” الذين كانوا يفرحون جدا بإدارتهم من خلال أمن الدولة، أو مكتب وزير الإعلام.. مع أصحاب فضائياتهم الذين حصلوا على امتيازاتهم وأراضيهم وتجارتهم بتسهيلات من مبارك وعصابته.
 كل هؤلاء لم يستطيعوا زحزحة الثورة والثوار عن الرجوع عن مطلبهم الرئيسى، وهو رحيل مبارك ونظامه، بما فيهم بعض من مرشحى الرئاسة الآن الذين يطمعون فى المنصب.. وهم الذين لم يكونوا يستطيعون حتى إبداء الرغبة فى أى شىء فى عصر مبارك وابنه. وحتى المشير طنطاوى وجنرالات معاشات المجلس العسكرى.. وهم الذين كانوا بجوار مبارك دائما.. وكانوا حماته حتى آخر لحظة.. وهم المستفيدون منه.. فهو الذى حافظ عليهم وقربهم منه.. وأبقى من يريده أن يستمر فى الخدمة، وفق ولائهم له، وأبعد من يشك لحظة فى عدم ولائه.. فظلوا حماته.. ولم يعترض أحد على سياساته، ولا على خطة التوريث (وإن كتموا غيظهم ولكن لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئا)، اللهم إلا الاعتراض على بعض سياسات حكومة أحمد نظيف فى بيع الأراضى التى يملكونها.. وإن كانت فى الأصل هى ملك للشعب والوطن وليست لأى مؤسسة.
 فمنذ اليوم الأول لنزولهم الشارع بأوامر من مبارك المخلوع، وقد طالبهم الشعب الذى خرج فى ثورته، وقرر عدم العودة إلى بيته، إلا بتحقيق أهداف الثورة، بتحمل المسؤولية مع الشعب، باعتبارهم من الشعب.. فتخاذلوا كثيرا.. وتركوا الفرصة للنظام فى محاولات كثيرة للتخلص من الثورة والثوار.. وكان المشهد واضحا يوم موقعة الجمل، لكن الثوار لم يؤثر عليهم سلوك كل هؤلاء.. واستمروا فى إصرارهم على رحيل مبارك ونظامه، ونجحوا فى أن يكون 11 فبراير يوما فاصلا فى تاريخ الأمة المصرية.
 وفى ظل تورط شخصيات إعلامية كانت تتحدث باسم النظام ورموزه، وما إن نجحت الثورة حتى تحولت ونافقت وزايدت على الثورة والثوار، وتأتى الآن لتحول قبلتها مرة أخرى نحو سلطة المجلس العسكرى.
 ولم يفعل المجلس العسكرى شيئا خلال عام كامل، بل فشل فشلا ذريعا فى إدارة شؤون البلاد، بل أساء جنرالات معاشات المجلس العسكرى إلى الجيش المصرى الذى يشكَّل من أفراد الشعب، وتحاول قياداته الوقيعة مع الشعب الآن وشراء الوَلاءات!
 لم يسلم المجلس العسكرى السلطة بعد 6 أشهر ولف ودار، وحتى الآن لا يريد تسليم السلطة، ويكتفى بتحالفات مع قوى سياسية، ويلتحف بها ليتقاسموا السلطة ويبيعوا الثورة والثوار، وعلى الشعب أن يرضى بذلك وكفاية عليهم أن مبارك تم خلعه، وإن حافظ عليه جنرالات المجلس العسكرى.. واستمروا فى انتهاكات حقوق الإنسان!
 لقد أصر الشعب على ثورته خلال الـ18 يوما وما بعدها وأصر على رحيل حسنى مبارك، رغم التواطؤ العام الذى شاركت فيه القوى التى تحاول تصدُّر المشهد الآن، وكذلك جنرالات المجلس العسكرى الذين يثبتون كل يوم أن ولاءهم لحسنى مبارك شخصيا، لا للشعب الذى خرج ثائرا ضد الاستبداد والفساد.
بعد عام من رحيل مبارك، تتداعي الذكريات، وتسقط الأقنعة عن الكثيرين، لكن يبقى الهدف الأول للثورة، هو استكمالها، واستعادتها ممن سرقوها، وبعدها يكون لكل حادث حديث.