كتاب سبر

خرق الذوق العام!!!

يبدو أن اتباع الموروث والسائد لا يقتصر على العقائد الدينية فقط ، كما حكى الله عز وجل عن الكفار واحتجاجهم على كفرهم بقولهم: (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون)، بل يمتد إلى غيره من أمور كثيرة، فعلى سبيل المثال عندما تتوارث الأمة أن رمز البلاغة سحبان لا تستطيع أن تخرق هذا الإجماع وتقول بغير هذا القول ولو كنت غير مقتنع بهذا !!!لماذا؟!!!
الحقيقة أن الخروج عن السواد الأعظم أمر موحش ومخالفة السائد أمر عسير على النفوس، ولكن هل هذا الفعل صحيح!! لو أردنا بالمسائل الدينية فصحيح الخروج عن الجماعة أمر مذموم، ومفارقة جماعة المسلمين رتب عليها الشارع وعيدا عظيما؛ لما في ذلك من المفاسد المترتبة على هذا الفعل، ولكن لو نظرنا إلى العلة لوجدناها غير منسحبة على مخالفة السائد في الأمور التي تتعلق بالذائقة الأدبية، فالأمر في هذا أوسع بكثير.
ما دعاني إلى كتابة هذا المقال هو انني عندما كنت أدرس في إحدى مراحل الثانوية، وكنت مولعا بحب الشعر وأقرأ للمتنبي والبارودي وشوقي بكثرة، أبديت رأيا لم يستسغه المعلم؛ وذلك أنني قلت لو كان البارودي حيا الى وقت مبايعة شوقي لامارة الشعر لما استطاع أحد أخذها من البارودي، ولكني عندما رأيت استهجان المعلم لما أقول وتقبيحه لرأيي وجدت نفسي مضطرا لكتمان هذه القناعة المتواضعة!! ولكن شاء الله ان أرى بصيص أمل بعد هذه الحادثة بأيام، وذلك أنه حدث في إحدى حصص دروس البلاغة حادثة مشابهة، وهي أن المعلم عندما قام بشرح نص للبارودي أخذ يثني على قوة ألفاظه وجزالة معانيه واستطرد في هذا إلى أن قال (وأنا أرى البارودي أفضل من شوقي)!!!، هنا فرحت جدا ووجدت أنيسا لي في غربتي يواسيني ويوافقني آرائي المتواضعة، ولكني لا زلت أجد حرجا من إبداء رأيي؛ وذلك لأن هذا المعلم الفاضل والمعلوم لدي نكرة لدى أرباب الأدب ومتذوقي الشعر، فالتعويل على رأيه لا يغني ولا يسمن من جوع، ولكني اليوم بعد أن تأكدت أنني لست بدعا من القول ولم آت على حين فترة من الذوق لم أعد أخشى!!!، فبعد أن رأيت الشاعر المبدع عمر أبو ريشة يفضل الشاعر إيليا ابو ماضي على المتنبي!!!،علمت أنني أخف جرما بكثير وأقل خطرا على الذوق العام بتفضيلي البارودي على شوقي!!!!

أبو الجوهرة
عبدالكريم دوخي المنيعي
تويتر :a_do5y