آراؤهم

المرأة المصرية و حلم الرئاسة!

لا شك ان المناخ السياسي الذي أعقب ثورة 25 يناير خلق نوعًا من الديمقراطية الوليدة، ورغم الكثير من الأخطاء والتجاوزات التي ارتكبت وأدت إلى تشويه الممارسة الديمقراطية ببعض الأفعال غير المسؤولة إلا أنها تعتبر تجربة جديدة وفريدة يعيشها المواطن المصري بعد عقود طويلة من الديكتاتورية التي سلبته طموحه وتطلعاته نحو غد أفضل.
فمن أهم ثمار هذه الديمقراطية الوليدة حلم الرئاسة الذي أصبح يراود الكثير من المصريين وبما في ذلك المرأة بعد أن كان لا يجرؤ شخص علي ذلك في ظل نظام اتخذ توريث الحكم حق مكتسب وأعد له العدة ونفذ خطوات علي طريق تهيئة الشعب لتقبل ذلك.
يوم بعد يوم تطالعنا الصحف بأخبار عن شخصيات أعلنت عن رغبتها للترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية نماذج وأنماط مختلفة وتركيبات متنوعة يركضون جميعًا خلف هذا الحلم؛ لتحويله الى حقيقة و واقع ملموس. كل منهم يري نفسه أهلا لهذا المنصب بغض النظر عن قدرته الفعلية وخبراته التي تؤهله لإقناع الشعب به كمرشح يستحق خوض غمار المنافسة.
ومن بين النماذج التي أعلنت مبكرًا النية للترشيح وخوض منافسات رئاسة الجمهورية شخصيات نسائية منهن المعروفات للشعب ومنهن المولودات من رحم الأحداث بعد أن ركبن موجة الثورة و ارتدين عباءة النضال. بكل تأكيد هذا حق لهن ولكن!.. هل المجتمع المصري مهيأ بالفعل لتقبل فكرة أن تتولي امرأة أعلى سلطة في البلاد؟ هل يثق المجتمع المصري في المرأة للدرجة التي تجعله ينتخبها رئيسا؟
وبعيدًا عن الشعارات والإجابات الدبلوماسية للرجال و تشنجات الداعيات لحقوق المرأة من النساء، فلنكن أكثر صراحة وأكثر واقعية ومنطقية عند الإجابة علي الأاسئلة السابقة. المجتمع المصري ما زال غير مهيأ لتقبل فكرة تولي المرأة منصب رئيس الجمهورية حتي وإن تجمل المجتمع بكلمات وشعارات توحي بأن ليس هناك مشكلة في ذلك.
المجتمع المصري ليس بالمتحضر للدرجة التي تمكنه من اختيار امرأة لتولي سدة الحكم؛ فالمجتمع المصري مثله مثل باقي المجتمعات العربية والشرقية يري أن المرأة صاحبة قدرات محدودة تمكنها فقط من أداء دورها كأم و ربة بيت. ولا يثق في قدراتها علي تولي مناصب حساسة في الدولة كمنصب الرئيس أو رئيس وزراء أو وزير دفاع أو داخلية.
المجتمعات العربية تمنح المرأة مناصب وزارية شرفية وحقائب وزارية غير مهمة فقط للوجاهة الدولية والشياكة الدبلوماسية والبروتوكولات مناصب للديكور فقط لتظهر تلك الدول بمظهر الحريصة على منح المرأة حقوقها وعدم حرمانها من الممارسات السياسية وتولي المناصب الوزارية.
هناك أسباب عديدة تعرقل تولي المرأة منصب رئاسة الجمهورية في الدول العربية بصفة عامة و مصر بصفة خاصة من أهم هذه الأسباب:
1: أسباب دينية: فقد اتخذت المجتمعات العربية من حديث الرسول الكريم علية الصلاة والسلام: (( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) حجة ودليل علي تحريم أو كراهية تولي المرأة المناصب القيادية بصفة عامة والرئاسة بصفة خاصة رغم الجدل الفقهي حول هذا الحديث، ولكن كما هو متبع في مجتمعاتنا تتخذ فقط من القرآن والسنة ما يتفق والأهواء والمصالح علي طريقة ((يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصلاَةَ))!
2: أسباب ثقافية واجتماعية: فثقافة المجتمعات العربية الذكورية تنظر للمرأة علي أنها كائن ناقص لا يستطيع تحمل مسؤولية نفسه. مسؤول من رجال العائلة، فكيف لها أن تتحمل مسؤولية دولة. نظرة دونيه ضيقة مازالت تعاني منها المرأة رغم نجاحها في تولي مناصب قيادية و وزارية إلا أن نجاحها لم يشفع لها لدي رجال مجتمعها لتغير وجهة نظرهم حيالها. كما أن الكثير من رجال العالم العربي ينظر الى موضوع تولي المرأة لمنصب قيادي أو رئاسي على أنه موضوع مهين لكرامته و لرجولته، فدائما يتندر على تولي المرأة منصبًا قياديًا بعبارة وهل عدمنا الرجال حتي تتولى امرأة هذا المنصب؟!
3: اسباب تعود للمرأة نفسها: رغم وجود نماذج مشرفة للمرأة العربية حققن نجاحات إلا أن المرأة العربية بصفة عامة لديها طموح محدود ونقص الثقة في النفس وقد يعود ذلك الى طريقة التربية التي تستخدمها الأسرة العربية مع الفتاة، التي تنمي روح الاتكالية والشعور بالنقص لديها بالإضافة إلى استخدام مفردات و تلميحات والقيام بتصرفات تجعلها على قناعة أنها مسؤولة من الآخرين طول الوقت سواء من والدها أو أخيها أو زوجها وأنها كائن ناقص لا يستطيع أن يقرر مصيره أو يتحمل نتيجة تبعات اختياره.
وبعد أن استعرضنا بعض الأسباب التي قد تعرقل مسيرة المرأة نحو تولي المناصب القيادية الحساسة وخاصة منصب الرئاسة. دعونا نتخيل أننا في زمن استطعنا التغلب علي عقدنا المجتمعية. فهل هناك من القيادات والشخصيات النسائية علي الساحة من تصلح أن يشار إليها بالبنان باعتبارها نموذجًا صالحًا للتنافس على منصب الرئاسة؟
وإن وجد هذا النموذج النسائي الذي يحقق التوافق المجتمعي علية بامتلاك سجل من الإنجازات والخبرات والشخصية الكارزمية التي تقنع العامة والناخبين. فهل هذا الوقت المناسب أن تتولى امرأة منصب رئيس الجمهورية علي سبيل التجديد والتغير والعدالة النوعية والاجتماعية بين الذكر والانثي ام ان مصر في مرحلة حساسة لا تحتمل الدخول في تجارب؟ وهل مصر الآن في حاجة إلى عقل وحكمة وقوة رئيس من الرجال أم الى مكر ودهاء وحماس رئيس من الجنس الناعم؟
علي كل الأحوال سوف ننتظر ما ستسفر عنه الأيام والأشهر القليلة القادمة، علها تجيب علي هذه التساؤلات. وإن كنت أعتقد أن المجتمع المصري مازال يحتاج الى الكثير من الوقت ربما عقدين من الزمان للوصول الى مرحلة النضج الديمقراطي الذي يمكنه من تقبل فكرة الرئيس المرأة. كذلك يحتاج المجتمع المصري والعربي مزيدًا من الوقت من أجل تربية جيل من النساء قادر علي تولي مثل هذا المنصب.
أوعاد الدسوقي
كاتبة و إعلامية
awaad99@gmail.com