كتاب سبر

البطولة الزائفة

لا يمكن النظر إلى موقف المجلس العسكري الحاكم في مصر، وحكومته، من الإدارة الأمريكية، باعتباره موقفا حقيقيًا، ولا يمكن أيضا اعتبار تشدده إزاء قضية المنظمات حقيقية، يعبر عن إيمانه بقضيته، وإنما هو مجرد بحث عن بطولة أمام الشعب، في محاولة لتحسين صورته، التي شوهها تارة بحماية أذناب النظام السابق، وتارة بالمشاركة في جرائم ترتكب ضد الشعب في محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو.
لذا لا يمكن اعتبار ما يقال عن المعونة الأمريكية هذه الأيام له علاقة بحقيقة ما يحدث في العلاقات المصرية – الأمريكية؛ لأن الذين يديرون البلاد يريدون البحث عن عدو يصدرونه للناس؛ ليصبحوا أبطالا بعد فشلهم العظيم في إدارة شؤون البلاد عبر سنة كاملة، كان يمكن أن يحدث فيها كثير من الإنجاز يليق بالثورة العظيمة التي بهرت وألهمت العالم.
ومن ثم بدأ الحديث عن التمويل الأجنبي للجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، خصوصًا التمويل الأمريكي، بدافع أن تلك الجمعيات مارست العمل السياسي، وكان لها دور فى الثورة، فلا بد من وصمها بأن وراءها أمريكا ومعونتها، وهو جزء من تشويه الثورة، الذى تبناه جنرالات معاشات المجلس العسكرى وفلوله.
استخدم المجلس العسكري في حربه ضد المنظمات الحقيقية، نفس أدوات المخلوع، من التهييج والإثارة والقضاء والتحقيقات، والإعلام، والشخصيات “الجعجاعة” مثل النموذج الذى عاش على العطايا والرشاوى من الأنظمة العربية الديكتاتورية، من صدام حسين إلى القذافي، وحتى قطر قبل أن يهاجمها الآن، كوّن ثروات كبيرة، وصل به الأمر إلى أن يحدثه الرئيس المخلوع ذات مرة قائلا له: “هات فلوسك على فلوسي ونعيد تقسيمها”.
لم يعد الجيش إلى الحدود، وظل في الشارع، بل قام جنرالاته المعاشات بممارسة السياسة، ليفشلوا فشلا ذريعا ويدخلونا في نفق مظلم، بعد محاولتهم تقسيم الناس حول قضايا جدلية، وينتهكوا حقوق الإنسان، ومع هذا ظل هذا الشخص “الجعجاع” ومن على شاكلته يدافعون عن جنرالات المعاشات، ويسعى هو إلى لقائهم وتوريد شخصيات لهم، وتقديم نفسه إليهم متحدثا باسمهم، وترويج ما يدعونه من حمايتهم الثورة، بل يصل به الأمر إلى أنه يدعى أنهم هم الذين قاموا بالثورة، وذلك عبر ترويج حكايات لا محل لها من الإعراب، كالحكايات التى كان يذكرها عن حكمة الرئيس المخلوع حسنى مبارك.
صدّر جنرالات معاشات المجلس العسكري الوزيرة فايزة أبو النجا لمشروع الهجوم على أمريكا وتمويلها، بما فى ذلك المعونة الأمريكية.. وبدأت أبو النجا فى تصديها لذلك الموضوع وكأنها رئيس الحكومة.
 الغريب أن ميزانية الوزارة التى تديرها فايزة أبو النجا تعتمد اعتمادا كليا على المعونة الأمريكية، حتى مرتبها ومكافآتها التى تحصل عليها، وهى بالملايين شهريا، معظمها من تلك المعونة، وأتحدى فايزة أبو النجا وغيرها من وزراء الحكومة الكشف عن مرتباتهم والمكافآت التى يحصلون عليها شهريا وهى بملايين الجنيهات.
 
فالسيدة فايزة أبو النجا حصلت، وتحصل، على مكافآت عبر السنوات العشر التى قضتها فى وزارة التعاون الدولى فى ظل حكومات الرئيس المخلوع حسنى مبارك،  وبعده، من الثورة، بل أزيد على ذلك أن كثيرا من مكافآت جنرالات معاشات المجلس العسكرى من المعونة الأمريكية!
وهنا أتحدى أيضا أن يكشف جنرالات معاشات المجلس العسكرى عن رواتبهم والمكافآت التى يحصلون عليها.. أليست هناك ثورة، وكان أحد مطالبها تحقيق المكاشفة، ألم يحن الآن أن نعرف كم يحصل من يتولى حكمنا ويدير شؤوننا فى المقابل؟، لكن للأسف الشديد، هم يسيرون على الطريقة نفسها التى كان يتبعها النظام المخلوع.
ومع هذا يتصدى الإعلامى “الجعجاع” الذى يدافع عن جنرالات معاشات المجلس العسكرى فى “الرايحة والجاية” للدفاع الآن عن فايزة أبو النجا، وهى وزيرة الفلول، التى عملت عشر سنوات مع مبارك ومع سوزان مبارك، وتفتخر بذلك.. بل أضف إلى ذلك أنها شاركت فى مهرجان التزوير العظيم فى انتخابات مجلس شعب 2010، ومثلت بورسعيد فى هذا المجلس المزور.. وبدلا من مطالبته -ذلك الجعجاع- بمحاكمة تلك السياسة عن فسادها وإفسادها السياسى.. أصبحت هى البطلة.
 إنها التعليمات.
 نفس التعليمات التى كان يحصل عليها من أجهزة النظام المخلوع.. وإلا!
 ولعله من الأسف الأكبر أن يدخل على خط صنع العدو، الذى يريده جنرالات المجلس العسكرى، مشايخ  ومؤسسات دينية، كما يفعل الأزهر الآن، وشيخه أحمد الطيب، من دعوته لصندوق ما يسمى “العزة والكرامة” استجابة لمبادرة الشيخ حسان.
 الكل يبحث عن البطولة الزائفة، من الحكومة والمجلس العسكري إلى المحكومين، ولا أحد يهتم بما يريده الشعب، مع أن الشعب أعلنها صريحة: الشعب يريد إسقاط النظام.