الدمعة بين الإباء والرحمة!!!

للدمعة في الشعر العربي بشقيه الفصيح والشعبي مكانة سامية؛ فهي رمز الإباء وهي رمز الرحمة، وهي دليل الوجد و دليل السعادة، وهي الملجأ بعد الله لاستفراغ مكنونات النفس البشرية، لذلك كان للشعر العربي مع الدمعة مذاهب عدة منها:

استدارة العين لتجود بالدموع حتى يخف وقع المصيبة، ويقل ألم المصاب، وعلى رأس هؤلاء صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم القائلة:

يا عينُ جُودي بدمعٍ منكِ مُنحَدِرِ….. ولا تَمُلِّي وابكِي سـيِّد البَشَـرِ!!

وسارت على خطاها الشاعرة نورة الحوشان بقولها:

يا عين هلي صافي الدمع هليه …..وان ليا انتهى صافيه هاتي سريبه!!

فالدمعة في هذا المذهب لا تعدو كونها وسيلة للتعبير عن عظم الفاجعة وطريقة لمواساة القلب؛ فهي دليل على رحمة القلب ورقة المشاعر.

وأما المذهب الثاني:

فهو مذهب الأمير الشاعر أبي فراس الحمداني الذي جسد إباء العربي الذي لم يلن لهول المصائب بقصيدة لا نظير لها في الشعر العربي قاطبة، وهي رائعته:

أراك عصي الدمع شيمتك الصبر …. أما للهوى نهي عليك ولا أمر

فهذا المذهب يرى أن الدمعة ليست عار بذاتها، ولكن إظهارها أمام الملأ هو العار، لما في ذلك من تمكين الشامت وإحزان المحب، فالقلوب التي لا تدمع عيونها قلوب جامدة خالية من الإحساس!! كيف لا؟؟ وسيد البشر عليه الصلاة والسلام عندما سئل عن دمعته قال:إنها رحمة!!!

فمذهب أبي فراس ليس ضد الدمع إطلاقًا، ولكنها ضد إظهاره، والدليل قوله في قصيدته:

بلى أنا مشتاق وعندي لوعة = ولكن مثلي لا يذاع له سر

إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى=وأذللت دمعًا من خلائقه الكبر!!!

 

والحقيقة أن هذا المذهب هو المختار؛ لأنه جمع بين الحسنيين؛ الإباء والرحمة، فهو لم يظهر الأسى، ولم يكابر على المشاعر والنفس البشرية!!!وما أجمل قول البارودي:

ومن البلية أن يسام أخو ألاسى … رعي التجلد وهو غير جماد!!!

……………………………………………….

وبما أننا اخترنا هذا المذهب؛ لذا أفضل أن أضع بين أيديكم نصا قديمًا لي قريب من المذهب المختار!!!!:

 

        (يا عيـــن شحي)