كتاب سبر

مرحلة فكر السفسطة

منذ فترة بسيطة ظهر في مجتمعنا الكثير من السفسطائيين الذين توزعوا في أغلب المؤسسات الحكومية والإعلامية والاجتماعية كانتشار السرطان في الجسد، وللأسف تحت مرأى وحماية القانون في غالب الأحيان. وقبل أن نتطرق إلى مخاطر مرحلة السفسطة وبعض الأساليب لمعالجتها لا بد وأن نعرف من هم السوفسطائيون؟
في علم المنطق تطلق السفسطة على القياس الذي تكون مقدماته صحيحة ونتائجة كاذبة، بقصد خداع الخصم وإسكاته. وبدأ السفسطائيون بالظهور عندما أخذت الديمقراطية تنتشر وتقوى في العهود اليونانية القديمة؛ حيث كثرت الخصومات القضائية والسياسية، ودعت الحاجة إلى تعلم الخطابة للدفاع عن حق أو تأييد غرض، فتقدم السوفسطائيون ليعلموا الناس البيان وأساليب الجدل ولكنهم أساءوا الجدل وأصبحوا مغالطين ومعلمي مغالطة فتحول اللفظ تبع لذلك. كما أن السفسطائيين كانوا يخلطون المذاهب الفلسفية بعضها ببعض وينتقدون حجج أحدها بحجج الآخر دون أن يشتغلوا هم بالفلسفة. ويعارضون ويخلطون أيضا العقائد والأخلاق والعادات بعضها ببعض عند الشعوب فأذاعوا الشك والإلحاد. وللأسف تم ملاحظة بعض ملامح ذلك الفكر جليًا في مجتمعنا من بعض الوسائل الرسمية، وكذلك بعض الأشخاص وبعض وسائل الإعلام الصفراء سواء المقروءة أو المشاهدة.
ويبدو أن مخاطر تلك المرحلة قد تكمن بإمكانية المساهمة في تكوين رأي عام مغرر به، وكذلك خلق فكر عدائي يتخذ من الصوت العالي والشعارات البراقة والخداع والخروج عن القانون ونشر فضائح الآخرين واللعب على المتناقضات بالمجتمع  في سبيل تحقيق غاياته دون إدراك ووعي بأن انعكاسات وإفرزات ذلك النهج ستكون مؤثرة بدرجة كبيرة، بل قد تكون مدمرة لسلوك أفراد المجتمع ووحدته. ونعتقد أن مؤشرات انطلاء تلك المرحلة أو ذلك الفكر على الشأن المحلي، ربما نجدها واضحة من خلال انحدار لغة الخطاب، وانتشار ثقافة الشك والتخوين، وكذلك التوتر والشحن في التعاطي مع بعض القضايا المطروحة بين مختلف مكونات المجتمع.
    
وحتى نقلل من آثار تلك المرحلة السفسطية أو نقضي عليها قبل أن يقع الفأس بالرأس وتصبح سلوكياتها ظاهرة أو عرف أو تقليد، فإن المسؤولية تقع على الجميع لوأدها وإبراز سلبياتها. وأتوقع أن مسؤولية المعالجة ومحاربة ذلك الفكر السفسطي تقع أولا على السلطة التنفيذية بتطبيق القانون على المغالطين والمشككين بولاءات الناس السياسية والاجتماعية والدينية دون أي دليل او مستند وإنما لمجرد تشويه صورهم أو تاريخهم. 
كما أن القانون يجب أن يطبق أيضا على من يثير الفتن أو يزدري أي طرف آخر، بالإضافة إلى تفعيل قانون المرئي والمسموع ضد أية وسيلة إعلامية رسمية أو خاصة تسوق وتتبنى ذلك الفكر أو ترعاه. وعلى السلطة التنفيذية أيضا تسخير وزاراتها لهذا الهدف وخاصة وزارة الإعلام ووزارة التربية ووزارة الأوقاف من خلال منابر المساجد. وثانيا، فإن المسؤولية تقع أيضا على أعضاء السطلة التشريعية بضرورة التشديد على السلطة التنفيذية بتطبيق القوانين الموجودة دون ازدواجية، والعمل على صياغة مشاريع قوانين جديدة لسد الثغرات في القوانين الحالية بهدف محاربة ذلك الفكر. والمسؤولية لاتصل إلى هذا الحد وتقف، بل إنها تقع على المثقفين ومؤسسات المجتمع المدني وكذلك افراد المجتمع من خلال الأسرة.
وفي النهاية، فإننا نتمنى أن يكون تشخيصنا ليس في محله، ونحذر من تجاهل ذلك الفكر وعدم محاربتة؛ لأنه بداية تفتيت وليس تثبيت لقيم وأخلاقيات المجتمع المتسامح. فقطع دابر ذلك الفكر سيؤدي إلى مزيد من التعاون والتآلف، وإنما التهاون به والسماح له بالاستمرار وعدم معالجته، فإنه لن يقود إلا لمزيد من التشرذم والصراعات التي لاتؤدي في نهاية المطاف إلا إلى سيادة فكر الغاب والكفر بالقانون، وبالتالي شيوع الفوضى والخروج بالمجتمع عن السيطرة التي لاتعقب حمداها.  
د.عبدالعزيز محمد العجمي
abdulaziz71@yahoo.comEmail:  
Twitter: @Dr_Abdulaziz71