كتاب سبر

الحيز المناسب

من بديع الكلام لوصي سيد الأنام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، يقول: ” دواؤك فيك وما تشعر.. وداؤك منك وما تبصر.. وتحسبُ أنك جرمٌ صغيرٌ، وفيك انطوى العالم الأكبر.. وأنت الكتاب المبين الذي بأحرفه يظهر المضمر”.
رأى أرنبٌ صغير نسرًا مسترخٍ في كسل على غصن شجرةٍ باسقة، قال الأرنب للنسر: هل أستطيع أن أفعل مثلك وأجلس باسترخاء دون عمل؟ جاوب النسر بكل شموخ بالطبع يا عزيزي الأرنب، استلقى الأرنب على الأرض وأغمض عينيه في خمول ناسيًا الدنيا وما فيها من شرور ومفاسد، مر ثعلبٌ في المكان، وما أن شاهد الأرنب متمددًا على الأرض حتى قفز عليه والتهمه. ما يجدر بنا فهمه من هذه القصة القصيرة، أنه لا يمكنك الجلوس دون عمل، ما لم تكن من البشر المقدر لهم العيش فوق ناطحات السحاب أي – الناس اللي فوق- هكذا هم كثير من الناس يحاولون أن يعيشون في مقام غير مقامهم  ويقتبسون حياة أخرى غير حياتهم، ويصورون أفكار الغير، فتجدهم يقلدون حركاتهم ويبدلون من هيئتهم، على الرغم من قلة إمكانياتهم الاجتماعية ونفوذهم، فيضطر بعضهم الضغط على نفسه ليعيش في مستوى غيره مبتعداً عن حجم إمكانياته حتى لو كان على قدر من العلم والخفة والرشاقة كما كان الأرنب.
يشير الدكتور عبد الكريم بكار في هذا الشأن: “على الإنسان احترام عقله وقدراته، فلا يزجّ به في مجاهيل وغيوب لا يملك أدنى مقدمات للبحث فيها، حتى لا يتناقض واقعه مع ذاته، ومن المنهجية القويمة أن نعلّم أنفسنا الصبر على الاستقراء والتأمل وعدم المسارعة إلي إطلاق الأحكام الكبيرة قبل التأكد من سلامة المقدمات التي تستند إليها، وحين نصل إلى حكم ظني، فإن علينا أن نصوغه بطريقة تُشعر المطلع عليه بذلك، فلا نسوق القطعيات مساق الظنيات، ولا الظنيات مساق القطعيات. إن الوضعية التي وضع الله تعالى فيها الإنسان تحتم عليه أن يظل في حالة من الاستعداد الدائم لقبول الحق أياً كان مصدره، والتراجع عن الخطأ وتعديل الرأي وامتلاك فضيلة المرونة الذهنية “. 
وليد المجني 
www.almujanni.com –   @AlMujanni