كتاب سبر

الفساد… استفادة

قبل فترة من الزمن، عقد رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيئ الذكر برلسكوني، مؤتمراً صحفياً ذكر خلاله شدة انزعاجه وتضايقه من كثرة تكرار كلمة (فساد) في الصحف الإيطالية، وكرد فعل .. عكفت الصحف في صباح اليوم التالي على تزيين افتتاحياتها ومانشيتاتها بكلمة (فساد) ، كما قام نحو %90 من كتاب الأعمدة اليومية والأسبوعيه، بصياغة مقالات مكونة من حوالي 80 كلمة، هي في الواقع كلمة فساد مكررة (فساد، فساد، فساد، فساد، فساد، فساد، فساد … وهكذا) !



المدهش في هذا الأمر، هو أن هذه المقالات قد لاقت استحساناً ورواجاً كبيراً آنذاك، بالرغم من كون هذا المقالات مكونه من كلمة واحدة مكرره هي .. (الفساد) ، كما أن نسبة مبيعات الصحف في ذلك اليوم ارتفعت بنسبة كبيرة وملحوظة .



الشاهد من هذه المعلومة، هو قيام حكوماتنا ومجالسنا النيابية والبلدية بتثليث المثلث وتدوير الدائرة وتربيع المربع ودفع الأموال والجهود لشرح ما هو مشروح وواضح ومفهوم للجميع، لدرجة أني أصبحت أشك بوجود (فساد) وراء الإكثار من الندوات والكتابات والمظاهرات المناهضه لـ (الفساد) .. أي أن هناك من يتاجر بالفساد، ليس للبحث عن الشهرة والشعبية، فهذه الموضوعات لم تعد بشعبية على الإطلاق، وإنما لقضاء العديد من الأيام في برزات وخلوات واجتماعات في اللجان والدواوين وفي قاعات الاجتماعات وغرف الفنادق مدفوعة الأجر .. لممارسة الثرثرة حول (الفساد) ، وقطع الطريق على الجادين في معالجة (الفساد) والبحث عن حلول .. المعذرة، فلا أقصد البحث عن الحلول، وإنما تطبيق الحلول المضادة للفساد والموجودة في حقيقة الأمر، وشعارها القانون والقانون فالقانون.



فبين الحين والآخر، تتوقف عجلة القانون بقصد الحديث عن الفساد، فينتج عن ذلك الإكثار من أوراق العمل والتوصيات وتشكيل اللجان من اجل عيون الأفيال لحين إنتهائها من صراعاها وتصفية حساباتها، فأثناء تقاتل الفيلة لا يتضرر سوى (العشب) ، وبحكم تعطيل فاعلية القانون، يمكن التلاعب بأحرفه على طريقة أبو الحروف ليصبح المتضرر (الشعب) .