كتاب سبر

الشاعر حسني مبارك والشيخ حبيب العادلي

وكأن شيئا لم يحدث، وكأن ثورة لم تقم، خاطب الرئيس المخلوع حسني مبارك المحكمة بقوله “بلدي وإن جارت علي عزيزة، وأهلي وإن ضنوا على كرام”، متهما مصر بأنها ظلمته، والمصريين بأنهم بخلوا عليه.

لم يتغير مبارك، الذي تحول فجأة إلى شاعر بعد عام من خلعه ، ونحن لم نره يوما مثقفا أو مستشهدا ببيت من الشعر، ما زال يرى نفسه بريئا، وأن العيب في الشعب، كما لم يتغير وزير داخليته حبيب العادلي، الذي ما زال يردد نفس الأوهام التي كان يرددها من قبل عن الطرف الثالث، وتذكر فجأة القرآن الكريم، فاستشهد بآيات محاولا تبرئة ساحته، ناسيا أنه كان  عراب تعذيب التيارات الإسلامية في أمن الدولة.

بقراءة ما كتبه مبارك فى خطابه الأخير إلى هيئة المحكمة التى تحاكمه على قتل المتظاهرين فى ثورة 25 يناير.. وأيضا بقراءة مرافعة وزير الداخلية حبيب العادلى عن نفسه فى تلك القضية، نجد أن من قاموا بالثورة هم العناصر الأجنبية والمندسون ومثيرو الفتن والمموَّلون من الخارج، وهى نفس الاتهامات التى كان يطلقها النظام وعصابته عبر التليفزيون المصرى وعبر رجالهم فى الإعلام فى المحطات الخاصة الذين كان يديرهم وزير إعلام عصابة مبارك ورجال أمن الدولة، والتى كانت سائدة طوال أيام الثورة الـ18 فى ميدان التحرير وميادين مصر لمحاولة تشويه الثوار بكل الأشكال.

والاتهامات هذه المرة سواء كانت من مبارك أو العادلى لم تشر إلى جماعة الإخوان المسلمين كما كان اتهامهم فى السابق وفى أيام الثورة رغم إشارتهم إلى حركة حماس الفلسطينية.. هل خافوا منهم هذه المرة بعد أن أصبحوا فى السلطة؟

 يقول العادلى فى مرافعته: “كنا نعلم أن هناك مظاهرات ستخرج سواء يوم 25 يناير أو يوم الجمعة 28 يناير 2011، لا ننكر.. وكنا نعلم أيضا أنها مظاهرات سلمية، لا ننكر.. بل نؤكد ذلك، وأنها ستكون كسابقتها فى سنوات طوال مع اختلاف عدد المشاركين فيها، لكن لم نكن نعلم أن هناك تجهيزا لاستثمار هذه المظاهرات لأهداف تخرجها عن سلميتها، لم نكن نعلم أنه سيشارك فيها عناصر أجنبية، لم نكن نعلم أنه سيشارك بها عناصر إجرامية، لم نكن نعلم أنها ستستخدم أسلحة نارية وزجاجات المولوتوف الحارقة، لم نكن نعلم أنه سيتم حرق سيارات ومدرعات الشرطة والجنود بداخلها، لم نكن نعلم أنه سيتم اقتحام السجون فى المحافظات المختلفة وإخراج المسجونين وتهريب عناصر منهم خارج البلاد”. 

 إنه الكذب مرة أخرى، أليس هو الوزير الذى يلفق القضايا، وكانت آخر قضاياه قضية تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية؟ إنه يستعبط ويدّعى العبط والاستهبال كما كانوا يفعلون ذلك فى كل القضايا الملفقة، ألم يكونوا يعلمون أن هناك دعوة للثورة يوم 25 يناير، وقد زادت هذه الدعوة بعد نجاح التوانسة ضد الديكتاتور زين العابدين بن على وطرده من البلاد ولم يجد إلا السعودية ترضى به نزيلا عندها؟

 ألم يسمع شعار المصريين يوم خرجوا فى 25 يناير ظهرا “يسقط يسقط حسنى مبارك”.. و”الشعب يريد إسقاط النظام”.. وظل الشعار مرفوعا حتى آخر يوم.. وربما حتى الآن باعتبار أن من يحكم البلاد ويديرها هو جزء من نظام مبارك الذى قامت الثورة من أجل إسقاطه؟ إنه الكذب الذى تعودوا عليه فى السلطة ويزينون به كل الأمور برئيسهم المخلوع حسنى مبارك بأن الوضع تمام فى تمام.

إنهم يستكثرون على الشعب المصري أن يخرج فى ثورة ضد نظام فاسد ومستبد استمر ثلاثين عاما فى قهر المصريين وعبر رجاله فى الداخلية الذين مارسوا كل أنواع القهر والتعذيب ضد المواطنين، والذى أصبح ممنهجا.. وسيطروا على كل مقادير الناس فى جميع المؤسسات من خلال المخبرين التابعين لأمن الدولة الذين كانوا يحركون كل شىء.

لقد أصبحت الدولة فى عهدهم أمنية بوليسية..وكله من أجل خدمة فرد واحد..لقد كفر الشعب بهم وبكذبهم، وكانت تجربة تونس ماثلة أمامه..فخرج لإسقاط النظام والثورة عليه.. لكن العادلى وأمثاله وعصابته يرونها عناصر خارجية مندسة..

ولم يتحدث الرجل عن دوره كرجل أمن ومسؤول عن تلك العناصر الخارجية وكيف دخلت إلى البلاد وهو الذى كان فى السلطة قابضا عليها يتجسس على كل فرد فيها، إنهم يريدونها ثورة العناصر الخارجية..وللأسف، بعض من جنرالات المجلس العسكرى مَن روّج لذلك.

 

ـــــــــــــــــــ

رئيس التحرير التنفيذي لجريدة التحرير المصرية