كتاب سبر

انتهت اللعبة يا “عسكري”

لم يستطع المجلس العسكري أن يستمر طويلا في لعبته، وخداعه للشعب المصري، لم يستطع حتى أن يصبر على الإيهام بسوء العلاقات بينه وبين أمريكا، وكما ثار فجأة معترضا عن التدخل الأمريكي في قضية المنظمات الحقوقية، سقط فجأة بالسماح بسفر الأجانب المحظورين.
انتهت اللعبة، وانكشف الجميع، انكشف المجلس العسكري، وانكشف القضاء الذي يقال انه مستقل، وانكشف الإخوان المسلمون الذين اكتشفنا أن معاضتهم ليست سوى مجرد لعبة حتى يصلوا إلى الحكم.
ومن الواضح أن المستشار عبد المعز إبراهيم رئيس محكمة استئناف القاهرة هو الذى تلقى أمرا بحل قضية التمويل الأجنبي أو تحديدا رفع الحظر عن سفر المتهمين الأمريكيين والأجانب في القضية.. وهو الذى أبلغ هذا القرار لهيئة المحكمة.
 الأمر جاء من المجلس العسكري إلى عبد المعز فاستجاب الرجل ولم يجد أي حرج في تنفيذ القرار بأي شكل.. فلا رد للعسكري أمرا، خصوصا أنه في رعايتهم فهو رئيس للجنة العليا للانتخابات وميزانيته مفتوحة.. كما أنه أصبح عضوا في اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية.. وسيحصل على مكافأة كبيرة أيضا قبل خروجه على المعاش في 30 يونيو القادم، والقضية نفسها استجاب لها من قبل وزير العدل وفتح تحقيقا وعيّن لها قضاة تحقيق ليبدو الأمر في النهاية كأن هناك قضية كبيرة ومهمة، وتصدير ذلك إلى المصريين في الداخل وإلى الخارج أيضا.
 وأطلقوا الدكتورة فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي (التي تحصل على مكافأتها، وهى كبيرة جدا، من تلك المعونات) لتهاجم منظمات المجتمع المدني.. والتمويل الذى تحصل عليه.. مع أن السيدة أبو النجا كانت تعرف ذلك جيدا طوال السنوات العشر التي عملت فيها مع حسنى مبارك المخلوع، وتفتخر.. ولكنها كانت تعليمات المجلس العسكري الذى حاول أن يصنع عدوا ليحاول أن يظهر كبطل أمام الشعب بعد فشله الذريع في إدارة شؤون البلاد.. ومحاولاته المستمرة لتشويه الثورة وإجهاضها.
 فكانت قضية منظمات المجتمع المدني والتمويل الأمريكي ومنظمات أمريكية أو فروع لها في مصر تقدم تدريبا مهنيا لبعض الجهات بما فيها جهات في الدولة.. لكن الغباء استحكم.. وطلب من القضاء والأجهزة الأمنية الهجوم على تلك المنظمات.. فكان اقتحام مقراتها والقبض على العاملين بها.. وتشكيل محاكمة لهم.. والتحفظ على أمريكيين وأجانب في تلك القضية.
 ولكن الأمريكيين لا يتركون مواطنيهم.. ويعلمون أنها قضية فشنك من الآخر.. وأن علاقتهم بالعسكر قديمة وهناك مصالح ومساومات.
 وليصير الأمر فى النهاية إلى رفع الحظر عن سفر الأمريكيين والأجانب.. ويغادرون البلاد بأمر القضاء الذى فرض علينا في البداية وبشّرنا بقضية «عظيمة» رغم أن الجميع كان يعرف أنها قضية سياسية تافهة.. ولم تكن أبدا لصالح المجتمع.. ولكن لصالح جنرالات معاشات المجلس العسكري الذين يساومون من وراء الستار على البقاء في السلطة بأي شكل أو طريقة في ظل خروج الناس عليهم رافعين شعار «يسقط يسقط حكم العسكر»، بعد أن فقدوا الثقة بهم تماما.. فخلال عام واحد أعادوا الوضع إلى ما هو ما أسوأ من أيام مبارك المخلوع.
 أن قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني، تكشف ما نحن فيه من حالة القضاء المخترق والمهترئ، وأن الوضع في القضاء كما كان هو أيام الرئيس المخلوع حسنى مبارك من الدور الكبير للسلطة التنفيذية وأجهزتها الأمنية على القضاء، فالقضاء يثبت كل يوم أنه ليس مستقلا رغم وجود قضاة مستقلين.
 وإن النظام لم يتغير ولم تتحقق مطالب الثورة وأهدافها في ظل الفترة الانتقالية التي طالت على يد جنرالات معاشات المجلس العسكري، فقد كان استقلال القضاء هو أحد الأهداف الرئيسية للثورة، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، كما لم تتحقق الأهداف الأخرى، واكتفى المجلس العسكري وحلفاؤه بتمثيلية الديمقراطية بانتخابات مجلسي الشعب والشورى، عبر قانون سيئ وتقسيم دوائر أسوأ، ليمهدوا الطريق لحلفاء جدد، وفى النهاية يكتفون بخلع مبارك، وحتى ولو جرت له محاكمة هزلية بعد ذلك فعلى الشعب الذى خرج في ثورة ضد الاستبداد والفساد والظلم والقهر ومن أجل بناء مجتمع ديمقراطي مدنى حديث ومن أجل الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية أن يقتنع بأن المجلس العسكري بجنرالاته المعاشات حَماه من القتل على يدى عصابة النظام المخلوع، رغم أن العكس ما حدث، فقد قدم الشعب المئات، بل الآلاف من الشهداء وآلاف المصابين في الثورة. واستمر نزيف الدم على يد المجلس العسكري الذى يحكم البلاد في أحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وفى استاد بورسعيد، حيث جرت المجزرة فى ظل رعايتهم، فضلا عن الانفلات الأمني الذى بدأه حبيب العادلي وعصابته في «الداخلية» تحت سمع وبصر حسنى مبارك شخصيا، وما زال مستمرا حتى الآن في ظل المجلس العسكري، وذلك لترويع المواطنين وإخافتهم وإسكاتهم عن حقوقهم في ثورتهم وتحقيق مطالبهم التي خرجوا من أجلها تحت شعار الشعب يريد إسقاط النظام
 لقد كانت قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع الدولي مصطنعة من البداية، وكانت لغرض في نفس المجلس العسكري، لكن انكشف الغرض سريعا، وانكشفت اللعبة أسرع
لكن يبقى السؤال أين ستذهب الأموال التي جمعها الشيخ محمد حسان بحجة الجهاد ضد أمريكا، بعد أن اكتشفنا أن أمريكا صديقة حميمة للمجلس العسكري؟.
ـــــــــــــــــــــ
رئيس التحرير التنفيذي لجريدة التحرير المصرية