كتاب سبر

(الحداثة) جنون مهذب

يقول العقاد والمازني في كتابهما الديوان:(فأنت إذا استطعت أن تهدي الطبقة المتأدبة من أمة إلى القياس الصحيح في تقدير الشعر فقد هديتم إلى القياس الصحيح في كل شيء ومنحتهم ما لا مزيد لمانح عليه)!!
 
بعيدا عن الأجواء السياسية المشحونة سأحاول في هذا المقال تسليط الضوء على أمر مهم ،استمرأه بعض الجهلة لما وجدوا فيه من السلامة من النقد والتقويم !!.
وانا أحاول هذه المحاولة _مع الإعتراف بأنني مسبوق في هذا الموضوع ،وأعلم أنني أسلك طريقا معبدا لكثرة السالكين فيه !!،ولكنني لن أقول كما قال عنترة الفوارس:
هل غادر الشعراء من متردم؟
بل سأحاول أن أنال شرف المحاولة وان لم أوفق لإصابة الهدف، يدفعني إلى المحاولة قول البارودي:
كم غادر الشعراء من متردم…ولرب تال بذ شأو مقدم !.
الحقيقة أن المهتم بالشأن الأدبي ولو يسيرا كحالي يرى بأن هناك نابتة تريد تهذيب الجنون ونشره بين الناس باسم الحداثة!
انا لست ضد ولا مع الحداثة ،لأنني الى الان لم أجد تعريفا متفقا عليه بين من ينادون بالحداثة للحداثة!
ولكن أنا ضد الجنون باسم الحداثة وضد السخافة والاستخفاف بعقول الناس باسم الحداثة!
الكل يعلم بأن من شروط العمل الأدبي ومن جمالياته أن يحتمل تعدد وجوه التأويل ،ولكن لابد أن يكون العمل محتملا لهذا التأويل، كقول محمد الثبيتي في مطلع قصيدته الفذة:
مضى شراعي بما لا تشتهي ريحي….وفاتني الفجر إذ طالت تراويحي
فقول :وفاتني الفجر …الخ
تستطيع كقارئ بسيط أن تأخذ المعنى المباشر ،وتقول ان الشاعر يتحسر على اشتغاله بالنوافل التي كانت سببا في تركه للفرائض !،وتستطيع أن تقول بأن الشاعر أراد بهذه المعنى أن يوحي للقارئ ندمه على تضييع عمره باهتمامه بأمور عادية عن عظائم الأمور…وتسطيع …وتستطيع … !الخ.
لان اللفظ يحتمل فلا ضير عليك في تلمس المعاني الجميلة التي تضمنها البيت، ولكن أن يأتي شخص يهذي بكلام ثم يفسره بتفسير بعيد جدا عن ما يتبادر الى ذهن المتلقي كحال الذي يقول:
ورأيتها على رصيف الشمس تحتضن النور !
فلما قيل له ماذا تقصد ؟؟؟قال:
رصيف الشمس اقصد به الرصيف الذي جلست عليه معشوقتي وكانت الشمس ساطعة فوقها !
واما قولي تحتضن النور ،فاقصد أنها احتضنت الكتب التي فيها العلم الذي يسمى نورا !!
يااااااالله كم قطعنا من مسافات أرهقتنا حتى وصلنا لمراد الشاعر  !.
فهذا الهراء الذي يريدوننا أن نسميه إبداعا لا يعجز آحاد الأطفال أن يأتي بمثله ،فما عليه سوى أن يقول كل ما ينقدح في ذهنه من كلام دون ترتيب او تقييد ،ثم يفسرها لنا بنفس الطريقة التي كتبت فيها!!.
ويكون أدباؤنا كحال ذلك الشاعر الحداثي الذي قال وصرح :بأنه يكتب النص ثم يستعين بالنقاد ليخبروه عن مقصده ومراده مما قاله في النص !!.
 
 
 
ابو الجوهرة
عبدالكريم دوخي المنيعي.
تويتر:a_do5y