كتاب سبر

لماذا تأخر سقوط نظام الأسد؟

لاشك ان شرعية نظام البعث سقطت عند الاغلبية من الشعب السوري وكذلك  الاغلبية الاقليمية والدولية (استدعاء وسحب السفراء-التنديد بالاعمال الوحشية-فرض العقوبات من قبل الاتحاد الاوروبي وامريكا – الاعتراف بالمجلس الانتقالي كممثل للشعب السوري).وبهذا نعتقد بان بقاء هذا الحزب واركانه بقيادة الرئيس بشار الاسد حتى وان طال مآله السقوط دون عودة. والمراقب للشأن السياسي السوري قد يعيش حالة من عدم اليقين ويتشتت تفكيره وذلك لتعقيده وتشابكه والتداخل في المصالح الداخلية والخارجية وللتناقضات التي يعيشها هذا النظام على ارض الواقع منذ توليه السلطة في بداية الستينيات.وفي حال زوال هذا النظام لابد وان هناك اطرافا ستتنفس الصعداء وخاصة على الساحة الداخلية واخرى سيتقلص نفوذها او ستخسر مصالحها سواء في سوريا او على مستوى دول اقليمية اخرى. فالاطراف المتضررة أو المستفيدة  من هذا التحول في الوضع السوري تشمل العديد من الافراد والمنظمات والقوى الاقليمية كإيران وحزب الله في لبنان مقابل إسرائيل وتركيا، وعلى المستوى الدولي تأتي روسيا والصين وأوروبا وأمريكا، وهناك الدول العربية والخليجية التي لها مصالح استراتيجية وتتأثر بالمصالح الإستراتيجية للقوى الدولية العظمى في سوريا. وذلك أحد الاسباب الرئيسة التي أجلت اسدال الستار على نظام الاسد. بمعنى كيف يمكن موازنة المصالح الإستراتيجية لتلك الاطراف الاقليمية والدولية  للتعامل مع هذا الوضع الخطير في سوريا سواء في الوقت الحالي أو في المستقبل؟ 
ولتوضيح الاجابة على ذلك التساؤل فإننا لن نتطرق الى الاطراف الاقليمية وانما سوف نتناول الاطراف الدولية المؤثرة التي تدير الازمة السورية لبروز التعارض الدولي تجاهها مما قد يكون بداية لظهور قطبية متعددة لإدارة الازمات والصراعات بعد ان تفردت الولايات المتحدة بذلك منذ انهيار الاتحاد السوفييتي.
   ولو نظرنا الى روسيا والصين لوجدنا انهما اللتان تعارضان ادانة او سقوط نظام الاسد وتظهران موقفهما علنا الا انه ربما في الحقيقة هناك اطراف اقليمية ودولية كثيرة تبدي في العلن ووسائل الاعلام انها مع الشعب السوري وضد التعسف العسكري  ، كما انها تسعى الى اسقاط النظام  ، غير انها في الخفاء جائز لها الوضع السياسي الراهن رغما عنها ،  لانها لم ترتب اجنداتها المتعلقة في المنطقة والمرتبطة بسوريا ،  أو لان سقوط نظام الاسد في المرحلة الانية سيبعثر اوراقها ويخربط مصالحها ،  لانها لم تجهز البديل كنظام موالٍ كما انها تخشى من الفوضى التي قد تعقب رحيل النظام.
ويبدو ان روسيا والصين المؤيدتان للرئيس الاسد بالاضافة الى بعض الاطراف الاقليمية والدولية المتمهلة من الناحية السياسية والعسكرية في حسم الوضع على الارض ،  تبرر موقفها بانها قد تفقد مصالحها والاوراق التي تستخدمها في سوريا والمنطقة اذا فقدت السيطرة على الوضع بعد سقوط النظام ،  بحجة ان الشعب السوري كان ومازال غائبا تماما عن الديمقراطية وكذلك تم تغييبه عن التطور والتكنولوجيا مما قد يدفع الى الفوضى في حال سقوط النظام  دون الترتيب لذلك ،  بمعنى ان سقوط النظام ربما يعني سقوط جميع مؤسسات الدولة وذلك للمركزية التي مورست في هذا العهد وسابقه ،  مما سيترتب عليه سقوط مراكز الامن والجيش ، الامر الذي قد يؤدي الى الفوضى وفقدان الامن وانتشار العصابات والتصفيات ونشوء الاختلافات العرقية. الا ان ذلك الموقف تجاه الشعب السوري مهما كانت مبرراته خاصة من قبل موسكو وبكين يعتبر موقفا غير اخلاقي وغير انساني لا في الاعراف التقليدية او السياسة  والدبلوماسية.
والمتابع لتعاطي روسيا والصين مع أغلب الأزمات الدولية التي تحتاج الى تصويت في مجلس الامن يلاحظ انهما دائما ما تلوحان باستخدام حق النقض (الفيتو) للمتاجرة في سوق المواقف الدولية وعندما تحصلان على نصيبهما فانهما تبيعان او تبدلان مبادئهما من أجل مصالحهما. ولكن ماهي الاسباب التي دفعت الصين وروسيا الى التمسك حتى الان بموقفهما من الازمة السورية؟
ونعتقد ان ما يجعل الدب الروسي والتنين الصيني يصران على التمسك بنظام الاسد وعدم التفريط به ربما لانه يمثل اخر المعاقل أو القلاع لهما المخالفة للسياسة الامريكية في المنطقة وأحد مصادر شراء السلاح والتجارة لهما كما انه يمثل أحد الاوراق المهمة في لعب دور مهم في سياسة الشرق الاوسط مما قد يساعدهما على فرض دورهما وصياغة استراتيجية دولية جديدة في مواجهة الإستراتيجية الامريكية والغربية في المنطقة والعالم كقطبية متعددة بدلا من القطبية الاحادية معتمدتين بذلك على القوة العسكرية التي تمتلكها موسكو، والقوة الاقتصادية التي تمتلكها بكين وترى بانها اصبحت ضرورة لا غنى عنها في الاقتصاد العالمي كما تعتقد بانها ساهمت بإنفاذ أمريكا ودول الاتحاد الاوروبي من ازماتها المالية لضخها مئات المليارات من الدولارات كاستثمار في سندات خزائن هذه الدول.
 ويبدو ان الازمات المالية والاقتصادية التي تعرضت لها الاسواق العالمية وكذلك ارتفاع أسعار النفط أثرت على الاوضاع الداخلية والاجتماعية خاصة في الولايات المتحدة التي تعد أكبر مستهلكا للطاقة في العالم ،   وبعض دول الاتحاد الاوروبي مما  انعكس سلباً على السياسة الخارجية لتلك الدول في ملفات كثيرة بالساحة العالمية كملف العراق وأفغانستان ، والملف النووي الإيراني ، وملف السلام في الشرق الأوسط مما جعل بكين وموسكو تفكران باستغلال ذلك الضعف وفرض نوع من الشراكة في ادارة الأزمات الدولية . 
يضاف الى ذلك ان موسكو لا تضمن من يعقب نظام الاسد من حيث بقاء قواعدها العسكرية على السواحل السورية التي تعتبرها قوة رادعة في مواجهة الصواريخ الأمريكية القريبة منها على الجانب الاخر من الأراضي التركية.
وفي نفس الاطار لو نظرنا الى الدول الغربية والولايات المتحدة نجد انها اعلاميا تريد زوال النظام السوري لكنها سياسيا وعسكريا متريثة وغير مستعجلة بالتغيير لخشيتها من النظام الحاكم مستقبلا الذي يضمن لكل منهم تحقيق مصالحه وكذلك يضمن حماية اسرائيل الحليف الاستراتيجي لواشنطن وفك الارتباط بإيران وحزب الله.
وفي النهاية نرى بان الازمة السورية بدأت من الشارع الذي يريد ان يرفع الظلم عنه من اقلية تتحكم بمصيره وتظلمه وتسلب ارادته وثروته الا انها تحولت الى ازمة لصراع دولي وحرب باردة بين موسكو وبكين من جهة وواشنطن من جهة اخرى .ونعتقد بان الأزمة السورية الراهنة ماهي إلا تجربة لتعددية قطبية جديدة وجدت في هذه الازمة فرصة دون ان يكون الدافع شرعية او عدم شرعية النظام السوري او بقاء او عدم بقاء الرئيس بشار الأسد .
ولكن بعد تصريحات الخارجية الامريكية بان ايام نظام الاسد معدودة وستنتهي في المستقبل القريب نتوقع أن يكون هناك تبادل في المصالح بين الاطراف المتعارضة ،  وخاصة واشنطن وموسكو ليحقق كل منهما غايته مما قد يؤدي لحل جزئي للمشكلة السورية من خلال دعمهما لقوى سياسية معينة ستكون بديلا عن النظام القائم لكنها في الوقت ذاته ستحرص على عدم إيقاع الأذى بمصالحهما وستكون على مسافة واحدة منهما.
ونتمنى من دول مجلس التعاون الخليجي ان يكون لها حضور في الازمة السورية في الوقت الحالي ومستقبلا حتى لا تترك المجال لاستغلال الفراغ السياسي والامني لتدخلات من قبل اطراف اقليمية كإيران وتركيا كما حصل في العراق. 
abdulaziz71@yahoo.comEmail:  
Twitter: @Dr_Abdulaziz71