أقلامهم

جاسم بودي : لغة الخطاب السياسية الكويتية ضربها «فيروس» …أما من علاج ؟

أما من علاج لهذا الـ«فيروس»؟

جاسم بودي 
لغة الخطاب السياسية الكويتية ضربها «فيروس» منذ فترة طويلة. لم يهتم له أحد بل أحيانا كثيرة قوبل باستحسان وسأل البعض عن المزيد. لم يعالجه طبيب ولا حكيم. لم تستخدم المضادات الحيوية اللازمة للحد منه… فتكور وتمحور وأخذ مكانه الثابت وصار يغذي «الفيروسات» الأخرى بالأسلحة اللازمة للهجوم والانقضاض والتخريب.
هذا الـ «فيروس» أخذ مسميات عدة منها الإسفاف بالحديث وتدني لغة الخطاب والاستهزاء بالآخرين والاستهتار بالسامعين واستغباء المتلقين، تماما مثل الكوميديا الراقية التي تحولت إلى تهريج يستند فقط على شتيمة مفاجئة أو «ركلة» يطلقها الممثل، أو التجريح بمن لديهم عاهات جسدية للغرض نفسه مثل قصار القامة وأصحاب الأوزان الكبيرة… والمؤسف أن هذا التهريج يجد جمهورا يصفق فيزداد العمل انحدارا ويزداد الـ«فيروس» انتشارا.
في الكويت، لغة الخطاب السياسي صارت تجريحا وشتيمة وضربا. شاهدنا ذلك سابقا وسنشاهده لاحقا بنسب أكبر طالما أن «الجمهور عاوز كده» وطالما أن أصحاب هذه اللغة لا يستطيعون الارتقاء إلى ما هو أعلى منها.
قبل أن يحل المجلس السابق انحدرت اللغة بشكل كبير. لم يعد للتشريع مكان ولا للرقابة ولا للمحاسبة. سمعنا وسمع أبناؤنا عبارات لا يسمح قانون المطبوعات بنشرها، وممن؟ من الذين يفترض أنهم ممثلو الأمة. شاهدنا وشاهد أبناؤنا أكواب ماء تطير بين الطاولات والكراسي وعصياً ترتفع في الهواء واشتباكات بالأيدي والأرجل بين من يفترض أنهم مشرعون وقانونيون ودستوريون… ثم أوصلنا ذلك كله إلى القبول بالأمر الواقع خوفا من الترحم عليه لاحقا.
كانت كتلة نيابية تبدي رأيا في قضية ما فيتحول رأيها إلى «مطنزة» ويصبح شعارات استهزاء يرددها للأسف الشديد بعض الرموز التي نحترمها ونقدرها. حضر الاستهزاء وغاب الحوار. حضر «التمسخر» وغاب النقاش… أليس ذلك نوعا من أنواع الديكتاتورية المقنعة الراغبة في إسكات الصوت الآخر لأنه مخالف فحسب؟
اليوم قدمت مثلا كتلة العدالة أولويات اعتبرتها مستحقة حول الحشمة والاختلاط في النوادي والمسابح. أنا شخصيا وغيري كثيرون لا يعتبرون ذلك من الأولويات لأن أهل الكويت لا يحتاجون لا إلى محاكم تفتيش ولا إلى من يمنحهم صكوك غفران أو يعلمهم تربية أبنائهم، بل أولوياتنا هي التنمية بكل عناصرها بدءاً من تأمين تعليم راقٍ حديث عصري وانتهاء بتأمين عمل مرورا بحل مشاكل قطاعات التربية والصحة والخدمات والمواصلات والاتصالات والبنى التحتية والمدن الجديدة وتطوير النظام السياسي وتعميق الحريات والديموقراطية على قواعد السيادة والاستقرار والأمن والأمان وتعميق الوحدة الوطنية ونبذ التطرف والإرهاب والمذهبية والقبلية والطائفية… ومع ذلك فنحن ضد أن يتم التعامل مع اولويات كتلة العدالة النيابية بالاستهزاء أو بالتجريح أو بالتهجم، بل بالحوار الموضوعي والنقاش الجاد بلغة خطاب ترقى إلى مستوى القضايا المثارة.
الأمور ليست كيدية، ويجب ألا نُشعر أي طرف أو فريق بأن الرد على أي اقتراح يعبر عن وجهة نظره يجب أن يكون كيديا أو يدخل في خانة الرفض المطلق المصحوب بالاستهزاء، فهذا سيشجعه على الكيل بالمكيال نفسه والسير في الطريق ذاته ردا على اقتراحات أطراف أخرى، فالمجلس خليط من قوى سياسية متعددة ولكل فريق سياسي أولوياته وأجنداته فهل سيتم التعامل معها بمسطرة التجريح والاستهزاء؟
في البرلمانات العريقة يعبُر النواب استحقاقا آخر غير استحقاق الوكالة الشعبية الممثلة بصناديق الاقتراع، يسمونه دفتر شروط والتزامات للغة والسلوك، يحفظونه عن ظهر قلب لأنهم في اللجان البرلمانية لا يريدون لأي كلمة خطأ أن تخرج التحقيق في القضايا المنظورة عن مسارها. راقبوا كيف يتحدث رئيس لجنة نيابية ما في الولايات المتحدة وهو يتحاور مع وزير. شاهدوا كيف يختار عباراته بميزان الذهب ولا يخرج عن النص فيما الوزير «يشرق ويغرب». دققوا في عبارات الاحترام والتقدير التي يبديها حتى وهو يوصي بتحويله مثلا إلى نيابة الأموال العامة.
ولماذا نذهب إلى الآخرين؟ لنعد فقط إلى محاضر جلسات المجلس التأسيسي ونتوقف عند الرقي في لغة الخطاب بين النواب والمسؤولين آنذاك… نعود لا لنتذكر بل لنتعلم.
والمؤسف أن من يفترض بهم أن يكونوا قدوة للآخرين و«رافعة» للخطاب السياسي، استمرأوا لغة الخطاب السياسي المتدني واستساغوا ما يريده الجمهور، لكننا نريد أن يستعيد هؤلاء توازنهم فيقودوا ولا ينقادوا، كما نتمنى على النخب السياسية والفكرية أن تلتزم هي بدفتر الشروط رأفة بالمستقبل السياسي وحرصا على مرحلة سياسية مختلفة نريد للجيل الجديد ان يعيشها… اللهم إلا إذا كان الـ«فيروس» صار عصيا حتى على الوقاية منه.