أقلامهم

لمى العثمان :الطائفية تعمي أبصار الفريق الآخر لحق الشعب البحريني

الطائفية… أهلكت من كان قبلنا

لمى فريد العثمان
مجتمع مريض بالطائفية حتماً سيفرز لنا من هم على شاكلة نوابنا القادمين من مجاهل القرون الوسطى، الذين ينقسم أغلبهم إلى فريقين، كل فريق له مشجعون ومطبلون ومزمرون… “لكم مذهبكم ولنا مذهبنا” هكذا اختصرها بكل وضوح وجلاء النائب جمعان الحربش في الجلسة التي تبادل خلالها الفريقان الاتهامات الطائفية… هما وجهان لعملة واحدة، يدعي كلاهما زوراً وبهتاناً الدفاع عن الحرية والكرامة الإنسانية، بينما تتكشف شيزوفرينيتهم وتتعرى ازدواجيتهم في اصطفافهم القميء وانتقائيتهم وعدم إنصافهم، ففريق ينكر مطالب الشعب السوري في الحرية والكرامة، بينما يؤيدها في البحرين، والآخر يؤيدها في سورية وينكرها في البحرين… كل فريق يغذي تطرف الآخر وغرائزه الطائفية البدائية التي أعمت بصيرتهم وأماتت الإنسان بداخلهم… ففريق يتعامى عن المجازر الدموية الوحشية في سورية، وآخر يطالب بإرسال الجيش للبحرين لسحق المطالب الشعبية المشروعة بالمزيد من المشاركة السياسية والحريات، كما طالبوا هم أنفسهم بها في الكويت وخرجوا من أجلها إلى الشارع!
يشكك الطائفيون في جرائم النظام السوري، ويدعون أنها مزورة وملفقة، بينما أيد النائب القلاف في السابق “كل الإجراءات التي يتخذها النظام تجاه المخربين والعابثين”!… ويتجاهلون تقرير “هيومن رايتس ووتش”، الذي يؤكد ارتكاب النظام جرائم ضد الإنسانية، ويتغافلون عن التقارير المكتوبة والمصورة للصحافيين الأجانب، الذين شهدوا على الوحشية والرعب والقتل العشوائي والإعدامات الجماعية للأطفال والحصار وانقطاع الكهرباء والاتصالات ونقص المياه والمواد الغذائية والمساعدات الطبية، كالصحافية ماري كولفن التي قتلت مع مراسل آخر، والصحافيين الأجانب الذين تمكنوا من الخروج من سورية أثناء قصف قوات النظام السوري، بمساعدة الثوار بالرغم من المخاطر، والذين قتل بعضهم أثناء هذه المهمة. يقول الصحافي كونروي: “الله وحده يعلم بما سيحدث بعد رحيل الكاميرات، لقد غطيت الكثير من الحروب، لكني لم أر من قبل أي شيء بهذا المستوى، ما يحدث هناك ليس حرباً، ما يحدث مجزرة”، حين يتعامى هؤلاء عن هذه التقارير والمشاهدات، التي تنزف القلوب بحجة الدفاع عن نظام “الممانعة” المزعومة، نتيقن أن هناك أزمة أخلاقية حادة.
وحين تعمي الطائفية أبصار الفريق الآخر في استنكارهم لحق الشعب البحريني في المطالب الحقة بالإصلاحات السياسية، وإيقاف الاضطهاد والتمييز والتهميش والتجنيس السياسي، والمطالبة بحقهم كمواطنين في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص نتأكد أن هناك أزمة أخلاقية مستفحلة، فبينما يحلون لأنفسهم الخروج للشارع والتظاهر والمعارضة، يحرمونها على البحرينيين بل ويدعون إلى المشاركة مع جيوش درع الجزيرة لقمع المظاهرات السلمية والمواطنين العزل بدعوى صد “المد الإيراني”، رغم تأكيد تقرير بسيوني بعدم وجود ما يثبت تدخل إيران، ورغم توثيق تقرير “هيومن رايتس ووتش”، الذي صدر في 2012-2-28 بعنوان “لا عدالة في البحرين: المحاكمات غير العادلة أمام المحاكم العسكرية والمدنية”، للانتهاكات الجسيمة لحقوق إجراءات التقاضي السليمة في محاكمات شهيرة في محاكم عسكرية، ومحاكمات سياسية الدوافع في محاكم جنائية طبيعية منذ عام 2010. شملت الانتهاكات الجسيمة حرمان المدعى عليهم من الحق في مشاورة المحامين وعرض دفاعهم، وتعرض المدعى عليهم للتعذيب والمعاملة السيئة إبان فترة التحقيق والاستجواب.
نحن اليوم نحصد ثمار أدلجة المجتمع والمؤسسات والوعي الجمعي، لنستورد الصراع الإقليمي الطائفي ونرسخ حروبه ومشاريعه الكارثية في الداخل. وأهم من يعتقد أن دعاة الإسلام السياسي يهتمون للحريات المهدورة والكرامة الإنسانية المراقة، أو تعنيهم التعددية وحقوق الأقليات والإنسان والمساواة المواطنية في الحقوق والواجبات… لا يسمع هؤلاء صرخات الأطفال ولا نحيب الأمهات الثكالى ولا أنين الجرحى، ولا يرون مشاهد الجثث الممزقة ولا الذعر والبؤس والمآسي، لأن الطائفية تعمي البصيرة وتنزع من القلوب أهم وظائفها… ألا وهي الإنسانية.