كتاب سبر

دولة هتلر في مصر

لا يملك من يزور ألمانيا، أن يمحو من عقله الصورة الذهنية المنطبعة في عقلنا كلنا، عما فعله الزعيم النازي أدولف هتلر في ألمانيا وفي العالم كله، وكيف استطاع رئيس مجنون ووزير دعايته جوبلز أن يشعل الحرب العالمية الثانية.
رحل هتلر، لكنه ترك نماذج له في العالم العربي، وترك وزير دعايته جوبلز ، يتحكم في الإعلام المصري، في صور متعددة، مع أن السادة الجنرالات لو قرأوا التاريخ جيدا، لأدركوا أن النهايات تأتي أسرع مما يتوقعون.
كنت في ألمانيا ضمن وفد إعلامى مصرى للتعرف على التجربة الألمانية فى الانتقال الديمقراطى، من بناء للمؤسسات والتنظيم الذاتى لتلك المؤسسات بعد التخلص من ديكتاتور عظيم فى حجم هتلر، بعد أن أوصل ألمانيا إلى الخراب والدمار والاحتلال.
ونجح الألمان فى التخلص من كل مؤسسات هتلر ورموزه وانطلقوا نحو البناء، فى وضع دستور للبلاد بالاستفادة من تجارب الدول الأخرى الديمقراطية وحرصوا على نبذ كل ما كان يتعلق فى تراثهم النازى ومؤسساته، واعتمدوا على أنفسهم فى صياغة القوانين التى جاءت خالية تماما من ثقافة هتلر والنازية ووزير دعايته جوبلز، حتى إنه فى إطار التنظيم الذاتى للإعلام على سبيل المثال، فضل الصحفيون والإعلاميون تنظيم أنفسهم، رافضين وضع قانون للصحافة والإعلام، حتى لا تتدخل الدولة بالرقابة على حرية الصحافة وحرية الرأى والتعبير، مكتفين بما جاء فى نص المادة الخامسة من القانون الأساسى (الدستور)، والتى جاء فيها أن حرية الصحافة مطلقة وحرية الرأى والتعبير مطلقة، وهى أقرب ما جاء فى دستور 54 المصرى الذى لم يعمل به أبدا.
والشفافية هى السياسة العامة المتبعة فى المجتمع الألمانى، ويستطيع أى مواطن أن يعرف دخْل المستشارة أنجيلا ميركل أو أى مسؤول فى الحكومة أو إحدى مؤسسات الدولة.
والشفافية هى الكلمة المطروحة على كل لسان، مسؤول فى الحكومة أو عضو فى البرلمان، أو فى الإعلام والصحافة، وبالطبع يجرى تنفيذها، والكل يحترم حق المواطن فى المعرفة والمشاركة فى الواقع السياسى.
 
ففى ألمانيا طبقوا التغيير بشكل كامل، لتصبح ألمانيا فى مقدمة الدول، وتناطح أى دولة على الصدارة فى العالم، فى الاقتصاد والسياسة والصناعة وفى أمور الحياة كافة، لأنها احترمت المواطن وحقه فى الحرية والمشاركة.
وقد قامت عندنا ثورة عظيمة للإطاحة بديكتاتور عظيم فى حجم حسنى مبارك، ومن أجل التغيير، لكن ماذا حدث منذ أكثر من عام من قيامها، وهى التى أبهرت وألهمت العالم؟
فما زالت مؤسسات حسنى مبارك هى التى تدير البلاد وبنفس الشخوص، وبنفس الامتيازات والتمييزات، وما زال المواطن يُقهَر فى حياته اليومية من رغيف العيش إلى معاشه، وكأن المجلس العسكرى بجنرالاته المعاشات قد ورثوا مبارك بكل امتيازاته! وحافظوا على رموز النظام المخلوع ومؤسساته. فلا يعقل أن يظل مجلس الشورى قائما وهو ليس منه فائدة، اللهم إلا المكافآت الكبرى التى يحصل عليها رئيسه ومساعدوه وإداريوه. حتى المستشار فرج الدرى أمين عام مجلس صفوت الشريف، وأحد من ساعدوا فى إفساد الحياة السياسية ما زال موجودا فى منصبه مثل زميله سامى مهران فى مجلس الشعب، الذى لا يريد رئيس المجلس الحالى الذى يسير على طريقة سلفه فتحى سرور الاستغناء عنه، واستطاع أن يرفع حظر السفر عنه بصفته متهما بالكسب غير المشروع فى تحقيقات ما زالت مفتوحة أمام جهات التحقيق ليصطحبه معه فى زيارته الأخيرة إلى الكويت، بل ونرى رمور النظام المخلوع يتسابقون فى الترشح للرئاسة، وكأنهم يستعيدون ما أطاحت به الثورة.
فهل يعقل أن يكون هناك من خدم حسنى مبارك لمدة عشر سنوات، وكان من شلته الخاصة وأحد المستفيدين منه، يريد أن يصبح رئيسا، وتسهّل له الأمور بهذا الشكل، ويظهر فى كل القنوات العامة والخاصة يتحدى، وهو الذى كان يتحدى الثوار فى أثناء توليه منصبه المهم فى الأيام الأخيرة للمخلوع؟! وأتحدث هنا عن الفريق أحمد شفيق.
وهل يعقل أن أحدا لا يعرف حتى الآن ماذا كان يتقاضاه شفيق فى أثناء توليه منصبه ووزراؤه؟ وحتى وزراء الحكومة الحالية، خصوصا أن هناك مئات الألوف، بل تصل أحيانا إلى ملايين مكافآت مقابل لجان واجتماعات تعقد فى مكتب المسؤول أو الحجرات المجاورة، وكل وزير أو مسؤول حسب عدد اللجان والاجتماعات.
ولا أحد يعرف مكافآت رئيس مجلس الشعب أو رئيس مجلس الشورى، الذى ما زال يسيطر على الصحف الحكومية من خلال ما يسمى المجلس الأعلى للصحافة، وغيره من المجالس الحكومة التى أنشأها مبارك؟!
ولا أحد يعرف مكافآت جنرالات معاشات المجلس العسكرى، الذين يديرون شؤون البلاد؟ وأين ذهبت ميزانية الرئاسة التى لم يكن يعرف عنها أحد شيئا؟ فهؤلاء جميعا الذين سرقوا الثورة لا يعرفون شيئا عن “الشفافية”.
الإجابة التي وصلت إليها أننا لا نتعلم الدرس، وأنه لا زال أمامنا الكثير.



ـــــــــــــــــ
رئيس التحرير التنفيذي لجريدة التحرير المصرية