آراؤهم

الوجه القبيح للسياسة الروسية

لم أستطع هضم السياسة الروسية المتلونة التي ما فتئت تعلن بمناسبة وغير مناسبة أنها لن تسمح بالتدخل الخارجي في سورية، وتعقد اتفاقاً مع الجامعة العربية يدعو إلى حل الأزمة في سورية سلمياً، وتلح في دعوة النظام السوري للموافقة الفورية على طلب اللجنة الدولية للصليب الاحمر “إعلان هدنة يومية” بناء على طلب رئيس اللجنة جاكوب كيلنبرغر، حتى يتمكن الصليب الأحمر من الوصول الى الجرحى والمدنيين المحاصرين والمضيق عليهم في الماء والغذاء والدواء والاتصالات، والذين يتعين نقلهم إلى المستشفيات وتقديم المساعدة الطبية لهم، ودخول كل السجون والمعتقلات لأداء مهامهم في إنقاذ أرواح هؤلاء، وعلاج جروحهم، في ظل غياب كامل لرعاية الدولة، وتدمير مدفعية الدبابات للمستوصفات والمستشفيات، ونهب الشبيحة للأدوية وإحراق الصيدليات، بل وتعرض الكثير من الجرحى لعمليات قتل انتقامية من قبل الشبيحة التابعين للنظام، وهم على أسرتهم كما أعلنت منظمات حقوق الإنسان العالمية والعربية، وتناقلتها أخبارها وكالات الأنباء، وعرضت وقوعها القنوات الفضائية المستقلة والمحايدة على شاشاتها بالصوت والصورة واعتراف بعض الأطباء والممرضين بتلك الممارسات البشعة. وفي نفس الوقت يعلن مسئولون في مقر الأسطول الروسي في البحر الأسود بأن سفينة روسية تحمل وحدة من قوات مشاة البحرية لمكافحة الإرهاب وصلت إلى ميناء طرطوس السوري الاثنين، موضحاً أن السفينة العسكرية انضمت إلى سفينة استطلاع ومراقبة تابعة للبحرية الروسية موجودة بالفعل في طرطوس، وأن الهدف من وجود السفينة والقوات في الميناء السوري في البحر المتوسط هو إظهار قلق الكرملين إزاء استقرار سورية والمساعدة إذا تطلب الأمر بإجلاء المدنيين الروس من المنطقة.
وفي ذات السياق فإن موسكو – رغم ما تدعيه من موقف محايد تجاه الأزمة السورية – فإنها تواصل ارسال شحنات الأسلحة إلى النظام السوري، وتقف إلى جانبه وتقدم له المساعدات العسكرية والأمنية واللوجستية والمخابراتية، وترصد أقمارها وطائراتها التجسسية تحركات عناصر الجيش الحر ونقاط الاحتجاج الملتهبة، وتراقب أجهزة الاتصالات المتواضعة التي يمتلكها المحتجون وتشوش عليها وعلى وسائل الإعلام المستقلة والمحايدة، التي تنقل مجريات الأحداث في سورية بصدقية ومهنية عالية، كما حالت دون إدانة المجتمع الدولي للنظام أو فرض عقوبات اقتصادية ضده في مجلس الأمن الدولي، باستخدام الفيتو لمرتين متتاليتين ضد قرارين كانا يطالبان بوقف العنف وإدانة النظام السوري لقمعه الدموي للمحتجين السلميين، والتهديد بفرض بعض العقوبات الرادعة إن لم يستجب لمطالب المجتمع الدولي في وقف العنف وسحب الجيش من المدن وعدم التعرض للمظاهرات السلمية وإطلاق سراح السجناء والمعتقلين السياسيين.
هذا التناقض العجيب في السياسة الروسية الوقحة والمتلونة تجعلنا نصنف موسكو بأنها الرديف الأول للنظام السوري والشريكة له في ارتكاب هذه الجرائم البشعة، بالسلاح الذي تقدمه له والخبرات التي تضعها تحت تصرفه والفيتو التي تستعمله لتحول دون تحرك المجتمع الدولي لإنقاذ الشعب السوري، الذي ما زال ولأكثر من سنة يذبح على يد شبيحة هذا النظام ومجرميه وقتلته من الوريد إلى الوريد.
لقد اتخذت موسكو القرار الخطأ عندما وقفت إلى جانب النظام السوري الباغي، وأدارت ظهرها للشعب السوري المنتفض الذي ثار مطالباً بالحرية والكرامة، وروسيا هي من ذاقت الويلات من النظام الشيوعي الشمولي لأكثر من سبعين سنة واكتوت بناره وثارت عليه، وتحققت للشعب الروسي أمانيه، وفاز بالحرية والكرامة التي قدم على مذبحها الملايين من شبابه ونسائه ومفكريه ومثقفيه، وكان الأجدر بموسكو أن تتحسس معاناة الشعب السوري من نظامه الاستبدادي والسادي الشمولي وما عاناه لأكثر من أربعين سنة من حكمه الديكتاتوري، وأن من حق الشعب السوري أن يتنسم الحرية كما تنسمها الشعب الروسي، وأن يقيم دولته المدنية وينسلخ عن الدولة البوليسية الكريهة التي نال الشعب الروسي الكثير من أتونها وتقلب في أوار لهيبها، فليس الشعب السوري أقل حضارة ومدنية من الشعب الروسي وتاريخه يشهد له بذلك، وأن من حقه أن يساعده العالم وفي مقدمته الشعب الروسي في الانعتاق من هذا النفق المظلم الذي عاشه في كنف قهر هذا النظام الباغي لسنين طويلة مليئة بالعذابات والجراح!!