كتاب سبر

التركيبة السكانية وفقدان الهوية

إن المتابع لمسيرة تطور المجتمعات البشرية على مدى التاريخ الإنساني يستطيع بقليل من التحليل، إدراك  أن تأثير العنصر البشري في مكان ما يبدأ من الفرد ومدى حاجته للمساحة التي يستغلها ويمارس بها حياته الطبيعية، وبكل تأكيد مع زيادة نمو الفرد في أي مجتمع يفرض عليه الزيادة في المساحة والتوسع في الخدمات المرافقة التي تكفل له حياة كريمة خالية من أي أعباء وضغوطات نفسية، الأمر الذي يقلل من الاحتدام البشري وتأثيره المباشر على المسطحات الثابتة التي تبعث بجرعات نقية من الأكسجين، والتي ستتحول مع ضغط المساحة إلى جرعات ثاني أكسيد الكربون، هذا ما يؤكد لنا أهمية دراسة الظواهر الاجتماعية كل ثلاثة أعوام على الأقل، والناتجة عن تغير الأوضاع والظــروف ســــواء كــــانت اقتــــصادية ام سياسية.
ولو نظرنا بعين فاحصة سنجد أن من أسباب الوهن المجتمعي هو عدم استقرار الأوضاع السياسية في البلاد التي باتت محط خلاف واسع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية مما أدى إلى تعطيل التنمية بأكملها، ولعل أبرز المشكلات التي نعاني منها هي أزمة الكهرباء والماء، الاختناق المروري، الوظائف العامة، التربية والصحة، وكل ما أسلفنا ذكره يعتمد بشكل مباشر على التركيبة السكانية التي تأخذ حيزاً من كل المشكلات، فهذا الخلل بات واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار، وأستغرب عدم تركيز نواب الأمة على مثل هذه القضايا التي تعتبر صمام أمان رئيسيا في عملية استقرار أحوال البلاد والعباد، إلا أن هناك دراسة يتيمة تبناها النائب المخضرم أحمد السعدون منذ أعوام أشار فيها إلى خطورة التزايد الملحوظ في تعداد السكان، وكيفية مواجهة التركيبة السكانية المختلة وذلك باعادة التوازن اليها، وقد عبر عن ذلك بجلاء في التوجهات الرئيسية في البند رقم 1 من المادة الثالثة من المرسوم بالقانون رقم 112 لسنة 1986 في شأن الخطة الانمائية الخمسية وهو الذي نص على تعديل التركيبة السكانية بصفة تدريجية حتى يمكن تحقيق التوازن المرغوب في نسبة المواطنين والوافدين بحلول عام 2000، (فلا طبنا ولا غدا الشر)، وظل الحال كما هو عليه، ولم تظهر أي دراسات تشير إلى خطورة الوضع المقبل، ولم يتعظ العقلاء بأن هناك خطراً شديداً وراء هذا الخلل في التركيبة السكانية التي حتماً ستؤدي إلى فقدان الهوية الكويتية، وتراجع في العادات والتقاليد، وزيادة أعداد المسنين، واختفاء طبقة الشباب، وغياب الفرص العمل الوظيفية، ومزاحمة مشتركة في النظام المروري والصحي والتعليمي، وهبوط في حجم التداولات الاقتصادية وسعر النفط من خلال كمية التحويلات المالية الملحوظة التي لا تستغل داخل البلاد.
ومما لاشك فيه ومن الطبيعي أن نشعر بذلك كمواطنين نمارس حياتنا اليومية بين مئات الألوف من الوافدين الذين يشغلون حيزاً خاصاً يسمى بالعمالة الهامشية، والذين يزيد عددهم عن نصف مليون وافد، إضافة إلى نصف مليون خادم، نكون بذلك أكدنا مصادر التحويلات التي تقدر بمئة مليون دينار سنوياً دون أن نشعر بذلك، وبهذا أيضاً لم نحقق المعادلة الهادفة من قوانين الخصخصة وغيرها من تكويت العمالة الوطنية بالقطاع الخاص حتى تصبح مقولة “دهنا بمكبتنا” حقيقية لا من نسج الخيال. فنحن نحتاج الى دراسة متكاملة متعددة الجوانب تحدد أخطار التركيبية السكانية، وأثرها اجتماعيا وسياسياً واقتصاديا على الفرد في المجتمع حيث ان من المعلوم أن لكل ظاهرة آثارا متعددة، وأن أي طفرة في عدد السكان تؤدي إلى تحول في الهيكل السكاني الــــذي يتــــأثر تلقــــائيا فـــي الوضع العام.
 
www.almujanni.com
@AlMujanni