كتاب سبر

(( الصحفي والزبال ))

مما لا شك فيه أن مهنة الإعلامي (كاتب، مذيع، محرر، رئيس تحرير) بشكل عام، والصحفي بشكل خاص، تعد أكثر المهن عرضة للارتشاء والانزواء تحت عباءة الحكومات والأحزاب وأصحاب النفوذ في العالم، ويأتي ذلك نظراً لحاجة الفاسدين في كل مكان وزمان إلى تحسين صورهم، وتدليس حقيقتهم أمام المجتمعات، أو إن شئت قل، لعدم نشر غسيلهم القذر امام الناس .. وبالرغم من ذلك فهي في ذات الوقت، المهنة الأكثر خطورة في العالم، حيث تتم مزاولتها في ميدان الرعب، ناهيك عن الحاجة –حاجة الصحفي- إلى الدخول في مناطق الصراع، وبؤر التوتر والقلاقل في كافة أروقة العالم، ليكون بهذا ضحية محتملة للظالمين وللمظلومين معاً.


وقد ساعدت النزاعات السياسية إلى التقليل من هيبة الصحفي، رغم انها نزاعات افتراضية خضعت للأهواء الشخصية، ولمتطلبات الحروب المشتعلة بين مراكز القوى الصاعدة والهابطة داخل التركيبة الاجتماعية النافذة في كل قطر من العالم !


في ألمانيا مثلاً، اجري استطلاع للرأي حول أكثر أصحاب المهن احتراماً وتقديراً عند الناس، وقد جاء الصحفيون في المرتبة (13)، تحديداً بعد عمال النظافة، ولا أدري إذا كان ثمة مؤامرة لوضع الصحفي في الرقم (13) إذ هو رقم تلميذ السيد المسيح، والذي كان الشخص (الثالث عشر) في العشاء السري-الأخير، وهو الذي قام بخيانته وسلّمه الى القوات الرومانية والكهنة اليهود .. أعني .. (يهوذا الاسخريوطي) ، ولنفترض حسن النية، ونعتبرها مجرد مصادفة رقمية غير سارة، ونعود نحو قصة بعد عمال النظافة، فقد تذكرت أنا أتابع خبر هذا الاستطلاع على شاشة العربية، إحدى الشخصيات الساخرة والمبتكرة في التاريخ العربي المعاصر، وهي شخصية زبال الشوارع، والتي قام بتأليفها الساخر العراقي (ابراهيم تيسي) ، على اعتبار أنها شخصية تجوب شوارع بغداد وتقترب من الأبواب وتراقب تحركات الناس، وتستخدم المكنسة للتنظيف أو للدفاع عن النفس، أو للضرب على رؤوس الفاسدين والمفسدين.


لذا فإن العلاقة جوهرية ما بين الزبال والصحفي، وقد اكتشفها العرب قبل صناع البنز، ولا أظن الألمان عمدوا إلى إهانة مهنة الصحفي من خلال استطلاعهم، بل قصدوا احترامها في وضعها بالقرب من تلك المهنة التي تنظف شوارعهم وتجعل الحياة ممكنة في بيئتهم، وهذا ما يفعله الصحفي الحر في كل مكان وزمان .. أي، استخدام القلم مكان المكنسة للتنظيف أو الدفاع عن النفس أو الضرب أيضاً !


FaisaiBnOmer@