كتاب سبر

.. وترجل الفارس

في مشهد مهيب وخشوع يدافع النحيب ، يغادر الطبيب ، يغادر كاسراً طوق الحياة ، بعد أن جبّر عشرات الآلاف من شتى بقاع الأرض ، لتلهج بالدعاء له كل الشفاة .
غادر فقيد الكويت مرفرع الرأس إلى جوار ربه ، فلا بكته عين خائفة ولا حكته حناجر زائفة، قد كان طوداً تشرق من فوقه شموس الابتسامات وتتطاير من حوله آلاف المسرات، فكم من كسير عجز عنه الطب ، جعل الله شفاءه على يديه ، وكم من فاقدٍ للأمل قد شق عنه حواجز اليأس.
هو اليوم يودع الحياة وقد قدم بها الحياة، نذر جل وقته بلا مقابل معالجاً وجابراً لكل مكلوم ومكسور.
جاءه أحدهم وقد كسر ظهره وتهتكت فقراته ، وقد ضاق بما قاله الطب الحديث بوضع الاسياخ مع عقمً بسبب الحادث ليفر منهم متوكلاً على الله ثم ليضع حمله أمام محمد عبد العالي الواثق بربه ، ليجبره بإذن الله ويتعافى إلى درجة دخوله دورة عسكرية كان في ظنه أنه لن يكملها، ورزق بالذرية والعافية  ، وكل هذا في ميزان فقيدنا.

يحبه القاصي والداني ، وكم من مرة ادخل عليه مسلماً فلا اسمع إلا ترحيباً وذكرا، وكان رحمه الله محباً للأجر له ولغيره فيطلب معاونته في علاج الناس من المقربين منه ليشملهم أجر العطاء، وقد كنت أسعد بهذا إلا انها لمرات قليلة، فتح بابه لكل مسلم بلا مقابل، نذر حياته لخدمتهم ،جبر الكبير والصغير والقاصي والداني، حتى أنه قال لي مرة لقد جبرت عجوز تعدت السبعين من عمرها لم يتوقع أحد شفاءها، واثقاً بربه مستعيناً به.

في المقبرة ، يقول أحدهم : أهذه جنازة العتيبي؟ فيجاوبه ابنه بنعم ، ليجيب :” اللهم اجعل مثواه الجنة،ويحمل معهم الجنازة بيمينه قائلاً :جبر يميني مرتين”، جبرك الله يامن جبرت كل كسير وسهلت على المسلمين العسير ، أخبرني أحد ابنائه أنه قد رآه في المنام قبل وفاته بيومين فقط ، وقد ارتدى ثوباً أبيضاً بشعر أسود ووجه أبيض قد شع نورا، وهو يقول مبتسماً: أنا راحل ..أنا راحل .

لعمرك ما الرزية فقد مالٍ ولا شاة تموت ولا بعيرُ
ولكن الرزيّة فقد فذٍ يموت بموته خلق كثير .

إذا ما مات ذو عـــــلمٍ وتقوى   فقد ثلمت من الإســـلام ثلمة
وموت الحاكم العـــدل المولّى  بحكم الشرع مــــــنقصةٌ ونقمة
وموت العــــــابد القوّام ليــــلاً   يناجي ربـــــــه في كـــل ظلمة
وموت فتى كثير الجود محض     فإن بــــــــقائه خيــــــــرٌ ونعمة
وموت الفارس الضـرغام هدمٌ    فكم شهدت له في الحرب عزمة
فحسبك خمسةً يبـــكـى عليهـم  وباقي الناس تخفــــــيفٌ ورحمة
وباقي الناس هم همـجٌ رعـــاع   وفي إيجـــادهم لله حـكــــــــــمة

وأظنه منهم بل جمع طال من صفات الخمسة الكثير، يقول الرافعي إان لم تزد على الدنيا كنت زائداً عليها، ومثله زادنا عزاً وفخراً وعلماً وخيرا له من الأعمال الخيرية والمساجد في كل بلاد المسلمين أحدها في أشرف بقعة على الأرض في مكة المكرمة ، ليشهد الناس فضله وليديم الله أجره .
نشكر كل من طالب بتكريمه  مع أن تكريمه حياً كان أوقع وأنفع لكن كما قال الغرب : هو الشرق لايقدر رجاله، يطالبون بشارع باسمه ومثله قد مهد الطريق لآلاف البشر ، بل مثله صرح قد شيد وبنى فليتنا نأخذ من حياته العبر ليتنا.
رحم الله محمد عبد العالي وأدخله فسيه جناته ، لهذا المقصد كتبت مقالي لا لغيره ، أن تأمنوا وراء الدعاء وتطلبوا له المغفرة والرحمة ، والله من وراء القصد وبارك الله لكم.v