كتاب سبر

مصر التي ضاعت بين العسكري والحكومة والإخوان

ليس حرصا على مصلحة مصر، وليس إرضاء للشعب، وليس محاولة لإنقاذا ما يمكن إنقاذه من الاقتصاد المتردي، وإنما إرضاء للإخوان، وضحكا على “ذقون” نواب البرلمان، هكذا جاء التغيير الوزاري الأخير، الذي أجرته حكومة الدكتور الجنزوري الأسبوع الماضي. 
الجميع يعرف أنه يضحك على الجميع، المجلس العسكري يعرف أنه ضحك على الإخوان والبرلمان بهذا التغيير الصوري، والحكومة تعرف أنها ضحكت على المجلس العسكري والبرلمان واستمر وزراؤها، والإخوان يعرفون أنهم ضحكوا على العسكري والحكومة وجعلوه يجري تعديلا وزاريا، غير محسوس، والجميع يعرفون أنهم يضحكون على الشعب، الذي يقف خارج حساباتهم، ويقف يتفرج على المهزلة الحاصلة.
 هل يستحق هؤلاء، بهذا الأداء المتردي السيء، أن يكونوا حكومة وبرلمان والمجلس العسكري لمصر، وللشعب الذي قام بثورة عظيمة، أطاحت بالنظام الفاسد؟
فها هو الجنزورى يجرى تعديلا على حكومته وهو الذى رفض فى البداية أى كلام فى هذا الشأن رغم رفض مجلس الشعب بإخوانه بيان الحكومة، وأصر الجنزورى على موقفه من إقالة الحكومة أو إجراء تغيير كبير أو محدود على وزرائه أو حتى جعلها حكومة تسيير أعمال استجابة لطلب الإخوان للخروج من أزمة البرلمان مع الحكومة خصوصا بعد القرار الذى اتخذه الكتاتنى بأكثريته الإخوانية بتعليق جلسات مجلس الشعب اعتراضا على الإبقاء على حكومة الجنزورى.
 الآن يستجيب الجنزورى للإخوان ويؤكد ما سبق أن أعلنه رئيس مجلس الشعب.سعد الكتاتنى فى مجلس الشعب بعد لقاء وفد من البرلمان المجلس العسكرى برئاسة المشير طنطاوى بأنه حصل على وعد بإقالة الحكومة أو تعديلها خلال يومين.
ورغم ما تسرب من ذلك الاجتماع أنه شهد توترا من المشير طنطاوى الذي وجه كلامه إلى قيادات مجلس الشعب واتهمهم بأنهم يسعون إلى إغراق البلد خصوصا بعد الأحداث التى شهدتها منطقة وزارة الدفاع والعباسية يوم الجمعة الماضى، وقال لهم إن الكل سيغرق لا المجلس العسكرى فقط، ورفض فى هذا الاجتماع إقالة الحكومة أو إجراء تعديل عليها تماشيا مع رغبة الجنزورى الذى سبق أن هدد بأنه سيرحل إذا أصرّ إخوان البرلمان على موقفهم منه، إلا أن الفريق سامى عنان فى هذا الاجتماع حاول تخفيف التوتر الذى ساد الاجتماع فى البداية، وجعل المشير طنطاوى يخبط بيديه على طاولة الاجتماع موجها كلامه إلى الكتاتنى ومرة أخرى إلى أشرف ثابت وكيل مجلس الشعب ممثل حزب النور السلفى، لدور السلفيين فى أحداث وزارة الدفاع،فخاطب عنان الكتاتنى بأنه سيحل الأزمة كما سبق وناقش معه تليفونيا. وهو ما أكده أيضا اللواء الفقيه القانونى صاحب الدور الكبير فى هذا اللغط والارتباك والنفق المظلم الذى وصلنا إليه.. وهو ما جعل البعض يستشعر أن هناك اتفاقات وصفقات بين الإخوان والمجلس العسكرى، مما دعا عنان إلى الكشف عن ذلك بتعهد جديد بحل أزمة الحكومة مع البرلمان حتى ولو كان ذلك شكليا، و(كأن فى الأمر توزيع أدوار) خصوصا أن المشير طنطاوى وفى إطار نقل توتره إلى ممثلى مجلس الشعب أصرّ على مناقشة موازنة الحكومة، وطالب اللواء محمود نصر مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية بعرض الموازنة سريعا أمام الحضور وجرى تهديد بأن الموازنة ستتم الموافقة عليها، وإن حدث عكس ذلك سيتم العمل بطريقة 1/12 يعنى ميزانية شهر بشهر.
 وعاد الكتاتنى ووفده إلى مجلس الشعب، وكان ذلك يوم الأحد الماضى 6 مايو ليستأنف عمل المجلس بعد تعليقه أسبوعا، ولم يتحدث فى البداية عما دار فى لقاء “العسكرى” وانتظر إلى نهاية الجلسة ليتكلم فى الموضوع، وبالطبع لم يتطرق إلى أحداث العباسية وإنما ركز حديثه حول الحكومة ووعد “العسكرى” له بإقالة الحكومة أو تعديلها خلال يومين.
 وفى نفس هذا اليوم 6/5 كان هناك مندوبان لـ “العسكرى” ممثلا فى هيئة قضايا الدولة- وللإخوان، يحضران جلسة هيئة مفوضى المحكمة الدستورية فى نظر دعوى بطلان انتخابات مجلس الشعب، ودفعا الاثنين، العسكرى والإخوان، أمام هيئة المفوضين بالمذكرات والمستندات بدستورية مواد قانون انتخابات مجلسى الشعب والشورى الخاصة بالثلث الفردى من الانتخابات ومطابقتها لأحكام الإعلان الدستورى، وهو الأمر الذى طمأن الإخوان تماما من ناحية ما تردد عن نية «العسكرى» حل مجلس الشعب من خلال المحكمة الدستورية.
ومع كل هذا كان الجنزورى وحكومته وفايزة أبو النجا يصرون على أنه ليس هناك تعديل وزارى أو إقالة الحكومة أو حتى حكومة تسيير الأعمال سيرا على هوى الإخوان لتبرير غرورهم أمام الناس فى موقفهم من إقالة الحكومة الذى من خلاله اتخذوا قرارا بتعليق مجلس الشعب أسبوعا، ونفاجأ فى النهاية بإجراء الجنزورى تعديلا شكليا فى 4 وزارات امتثالا للمجلس العسكرى واستجابة ورضوخا للإخوان.
وكأن الأمر ما زال يُدار بالصفقات التى يستطيع أن يحفظها جنرالات «العسكرى» مع قيادات الإخوان والتزامهم بعدم الشفافية التى مارسوها علينا خلال الفترة الانتقالية.
إنهم الثلاثة يعملون لمصالحهم الخاصة لا من أجل مستقبل هذه الأمة.. ويكتفون باشتغالاتهم لنا.
إبراهيم منصور | رئيس التحرير التنفيذي لجريدة التحرير المصرية