كتاب سبر

أبوالطيب والجزيرة والبدون

ظلمٌ لذا اليوم وصفٌ قبل رؤيته

لا يصدقُ الوصفُ حتى يصدقَ النظرُ

المتنبي
أشعر بأن أبا الطيب حين قال بيته ذاك كان يشاهد التقرير الذي بثته قناة الجزيرة عن قضية البدون في الكويت ، وكيف صنعت منهم جناةً وهم الضحية ، وكيف جعلت منهم مواطنين لدول الجوار ، مستدلين بأرقام ودول لطالما ردّدها الجهاز المركزي لكنها لم تحظ بتصديق من قبل غالب من يعيشون على هذه الأرض لأنهم آمنوا بقول أبي الطيب رحمه الله : لا يصدقُ الوصفُ حتى يصدقَ النظرُ .
كم هو محبط أن تمد يديك “ذات غرق” لمن تظن أن بإمكانه أن يساهم في إنقاذك وإذا به يكتفي بالتبسم في وجهك لأن التبسم في وجهك صدقة ، ويحوقل ، ويدعو الله عزّ وجل من أجلك ، ثم يعطيك ظهره وينصرف ، وأنت تقول في نفسك : ياليتني فيها حيّا وجذعاً حين أقابلك المرة القادمة ، فوالذي نفسي بيده لأنصرن رغبات الإنتقام في داخلي نصراً مؤزراً .
في علم الجغرافيا تعرف شبه الجزيرة بأنها قطعة من اليابسة تحيط بها المياه من ثلاث جهات ، وفي علم العدل والإنصاف تعرف شبه “الجزيرة” بأنها قناة يحيط بها ضوء الإنصاف من ثلاث جهات ، ويغيب عن الجهة الرابعة ليبقى أهل تلك الجهة يقبعون في ظلام اللانصرة ولو بكلمة حقّ عند إعلام جائر .
الجزيرة حيال قضية البدون في الكويت أبت إلا أن تحذف إحدى النقطتين لتصبح (حزيرة) تحتاج إلى مزيد حل وتفكير وهي التي سوقت نفسها على أنها الملاذ الآمن للمواطن العربي من بطش حكوماته ، أو لتصبح غير منصفة فتشارك في تحمل (جريرة) ما يقع على هذه الفئة المغلوبة على أمرها من ظلم وتعسف وسلب للحقوق .
في جزيرة الرأي والرأي الآخر ، حضر الرأي وغاب الرأي الآخر ، حضر الجلاد وغابت الضحية ، حضر السجّان وترك المسجون في غياهب السجن لا بواكي له ولم تُسمع أقواله ، كل ذلك حصل في تقرير أعده مراسلها في الكويت والذي لمّع من حيث شعر أو لم يشعر الجهاز المركزي على حساب الإنصاف والعدل الذي تدّعيه القناة ، “سعد” هو من أعدّ التقرير ،  ولعّله استعان بـ “صالح” ، ليصبح الظلم أشد مضاضة على البدون ، وكيف لا ومصدره “ذوو القربى” !
من خلال ذلك التقرير يتضح جليّاً أن الجهاز المركزي بدأ يكثف جهوده لتلميع موقفه من خلال الاستفادة من علاقاته الطيبة مع بعض الإعلاميين العاملين في قناتي الجزيرة والعربية ، وهذا الأمر يؤمنه للجهاز من يقود الجانب الإعلامي فيه عن طريق قرابته للأولى وقربه من الثانية ، وأراه – أي الجهاز –  نجح ولو مؤقتاً في جعل جانبه الأسود ناصع البياض أمام الإعلام الخارجي ، فتلك القناتان كقول حذامِ عند العرب لا يسعهم إلا أن يصدقوها ، ولكنه كما قدمت نجاح مؤقت إذ أن ذلك البياض سرعان ما سيزول مع أول تقرير صادق تبثه أي قناة تقدم جانب المهنية والشفافية على جانب المداراة والمجاملة واستغلال النفوذ ، وعلى الباغي ستدور الدوائر حتماً .