كتاب سبر

حمدين صباحي .. الفائز الحقيقي

الفائز الحقيقي في هذه الانتخابات هو حمدين صباحي الذي حصد المركز الثالث في الانتخابات الرئاسية في مصر، فإذا استبعدنا محمد مرسي مرشح الإخوان الذين قفزوا على السلطة، وإذا استبعدنا أحمد شفيق مرشح الفلول فالفائز هنا هو حمدين صباحي الذي حقق مفاجأة حقيقية وحصل على المركز الثالث. 
من نلوم إذن على عدم تصدر حمدين صباحي المشهد الرئاسي، يجب أن نلوم القوى الثورية الأخرى، التي رفضت الاندماج والتحالف معه باعتباره مرشحا للثورة، وفضلوا أن ينطلقوا خلف نرجسيتهم، ورغبتهم في دخول السباق الرئاسي مع أنهم يعرفون أنهم بلا فرص حقيقية. 
دون شك، حمدين صباحى حقق معجزة فى انتخابات الرئاسة وأكد أنه “واحد مننا”، وكان اتجاه التصويت له بناء على هذا الشعار، وتصويتا ضد الفلول والنظام القديم الذين يريدون عودته، وضد الإخوان الذين يريدون التكويش والتمكين ليفرضوا رؤيتهم الإسلامية ودولة الخلافة، فكان التصويت لحمدين لصالح الدولة المدنية الحديثة الديمقراطية التى يريد الشعب بناءها بعد سنوات من القهر على يد الدولة الاستبدادية الفاسدة.
 تجمعت قوى الفساد من بقايا النظام المخلوع واستعادت قوتها وأموالها.. لشراء الأصوات وتزييف وعى الناس واستغلال فزاعة الأمن والاستقرار «الطالع فى المقدَّر جديد» بعد الثورة وما جرى فيها.. وتحالف هؤلاء مع القوى الدينية الصاعدة المتمثلة فى جماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم والذين يستخدمون نفس أساليب النظام القديم فى الحشد والتعبئة، إضافة إلى قدرتهم وخبرتهم السابقة فى ذلك الأمر، وذلك بعد أن أصبحوا فى السلطة وتذوقوا طعمها..
ودخلوا فى صفقات مع القوى السياسية والعسكر واستطاعوا أن يتقاسموا «تورتة الثورة»، ليصل بهم الأمر الآن إلى ادّعائهم أنهم يمثلون الثورة (!) تحالف هاتين القوتين، وإن كان كل منهما على حدة، لإبعاد الطرف الأصيل المتمثل فى قوة الدولة المدنية التى فى قلبها قوى الثورة لاستبعاد حمدين صباحى من السباق الرئاسى.. من الجولة الأولى.. ليتبقى لنا محمد مرسى ممثلا للقوة الدينية الأكبر وهى جماعة الإخوان.. وأحمد شفيق آخر رئيس وزراء فى عصر مبارك الذى رفضته الثورة.. وخرجت مليونية من أجل إزاحته.. ليلتفّ الرجل بطريقة أخرى ويظهر مرشحا رئاسيا.. بات قريبا جدا من أن يسكن القصر الرئاسى لإعادة النظام الذى خرج عليه الناس فى ثورة خلعته.
 فكلا الخيارين مر، وليس على مستوى طموح الثورة التى بهرت وألهمت العالم كله بسلوك المصريين فى ثورتهم السلمية.. فالسيد أحمد شفيق.. وصل إلى الجولة الثانية من الانتخابات بفضل تجمعات بقايا الحزب الوطنى ورموزه.. ورجال أعماله الذين دفعوا الملايين فى الدعاية الانتخابية له، بالإضافة إلى صرف الأموال لحشد البسطاء والغلابة والعمال فى المصانع الخاصة بالتحديد للتصويت له.. ونشر الدعاية عن الخوف والفزع الذى يحيط بالبلاد.. وأنه جاء وقت الاستقرار برجل يملك قدرات أمنية ويحظى ربما برضا من جنرالات العسكر الذين أداروا البلاد بفشل «عظيم».. ونحصد فشلهم الآن فى تعطيل مسيرة الانتقال إلى دولة مدنية حديثة.. فضلا عن دعم التصويت لصالحه من قِبل مؤسسات ما زالت تحتفظ بنفس سمات ورجال النظام القديم.
 وأحمد شفيق لا يختلف عن مبارك كثيرا فى جهله ورضاه عن هذا الجهل.. ولا يمكن أن يصنع دولة حديثة ديمقراطية.. ولا يختلف الأمر مع مرشح الإخوان الدكتور محمد مرسى.. فالرجل لم يكن فى نيته أن يكون رئيسا أو حتى مرشحا للرئاسة.. فقد جىء به فى هذا المكان بديلا واحتياطيا تحسُّبا لمنع خيرت الشاطر من الترشح.. وهو الرجل القوى فى الجماعة والطامح إلى أن يحصد ما فعله بالجماعة خلال السنوات الأخيرة بمنصب الرئيس أو على الأقل بمنصب الرجل النافذ فى الدولة.. فلو قُدِّر أن يكون مرسى رئيسا فلن يكون الرئيس الفعلى.. بل سيُدار المنصب من خلال مكتب الإرشاد.. وربما بالتحديد من خلال خيرت الشاطر الذى قد يحصل على منصب رئيس الحكومة فيدير شؤون البلاد.. ويظل الأخ مرسى شخشيخة.
 فضلا عن أن الجماعة تعمل لمصلحتها فقط.. ولا تنظر إلى الشعب.. وقد كانت تجربتهم فى السلطة بعد فوزهم بالأكثرية فى مجلس الشعب دليلا على ذلك.. وهو ما جعل الناس تفكر ألف مرة فى أى أمور تصدر عنهم.. فلم يعودوا يثقون بهم.. فهم شاركوا العسكر فى الإدارة الفاشلة للبلاد.. ولم يكونوا على مستوى ثقة الناس.. وحاولوا قدر الإمكان تدعيم وجودهم.. فهم سيسعون فى التمكين وتطبيق أدبياتهم -راجعوا كتابات مشايخهم من أمثال البر وعبد القادر».. وتكفير غيرهم.. وإن اتفقوا مع قوى سياسية فإنه سيكون اتفاقا مرحليا غير أمين من أجل أن يسيطروا فى النهاية وأن تكون الغلبة لهم.
 فنحن أمام خيارين، كلاهما مر وصعب: دولة استبدادية عسكرية فاشية فى صورة أحمد شفيق.. ودولة استبدادية دينية فاشية فى صورة محمد مرسى 
أقول لكم .. لا شفيق.. ولا مرسى