كتاب سبر

والناس أسراب

قانون الجذب وما أدراك ما الجذب .. يقول العلامة بن خلدون، صاحب كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر في مقدمته الشهيرة، أن : (المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده، والسبب في ذلك أن النفس أبداً تعتقد الكمال فيمن غلبها وانقادت إليه) ، أنا شخصياً لدي رأي آخر ومغاير في هذا الصدد، ويتمثل في أن الناس أسراب وليست أجناس وكفى .. بما معناه، أن القوي يجذب الأقوياء، والذكي يجذب الأذكياء، والغبي يجذب الأغبياء، والخِبل يجذب الخبلان .. وهكذا، لتجد في نهاية المطاف أسراباً مختلفة ومتنوعة، سرباً من النوابغ، وسرباً من العاهات، وسرباً آخر من الحكماء ! 
كثير من الدول تفتقر جداً إلى تنوع الأسراب الإنسانية إذا ما اختزلنا قانون الجذب في الحكومات المتعاقبة بها، حيث نجد أن رؤساء حكوماتها حدث ولا حرج، وسائر من في حكمهم من الوزراء حدث ولا حرج، والسبب في ذلك وحسب تقديري الشخصي يعود إلى كون هؤلاء الرؤساء من ذوي الدخل المحدود فكرياً وثقافياً وإقتصادياً .. وسياسياً كذلك، لذا فمن البديهي أن يحرصوا على انتقاء وزراء أقل منهم دخلاً في جميع ما ورد، لكي يلتمسوا لأنفسهم العذر عند الفشل واتخاذ القرارات الخاطئة من جهة، وليطبقوا سياسة (أي نعم الفيل يطير طال عمرك) من جهةٍ أخرى، ولا عزاء لبلدانهم في جريمة التطبيل للأغبياء من قبل الكتاب والمحررين وملاك الوسائل الإعلامية المرئية والمطبوعة، فقد عكف الجميع على دغدغة مشاعر الفاشلين بالمديح والإطراء والإعجاب طِوال فترة تبوؤهم (المقعد التنفيذي) فيوصف الغبي بالذكاء، والضعيف بالقوة، والأحمق بالحكمة، والجاهل بالمثقف، والدايخ بالمحنك .. ألخ، متناسين أو إن شئت فقل متغافلين عن حقيقة كون الذكي هو من يحقق الإنجازات في ظل الافتقار للموارد، وكون القوي هو من ينتصر بأقل الإمكانيات، وأن الحكيم هو من يخوض التجارب لا من يرثها .. فنظراً لوفرة موارد تلك الدول، وتعدد إمكانياتها، وتوالي إخفاقاتها في المحافل الدولية والمحلية، وتعاقب عدم إنجازاتها لمشاريع خططها الخمسية والخمسينية، حري بشعوبها البحث عن منقذ خارج الدائرة المغلقة، فحيث وجدت الشعوب وجد الأذكياء والأقوياء والعظماء الحقيقيون !
علينا جميعاً عدم الاقتداء بالشاعر العباسي العجاف (أبو تمام) عندما صاغ قصيدته المطولة ليخلد بها الانتصار الوهمي للخليفة المعتصم خلال تحرير حصن صغير من الروم، فقصة (واااامعتصماه) تجسدت في تحرير المستغيثة من سجن يقع في أحد حصون عمورية بآسيا الصغرى، ولكن الإعلام الفاسد آنذاك صورها بغزو كبير تمثل في إرسال جيش أوله في بغداد وآخره أسفل أسوار القسطنطينية في القارة الأوروبية، وما أكثر معتصمي اليوم، وأشباه أبي تمام الغد !
                      *********
هناك .. تجد الرجل يمسك بالمسدس ويأمر أحد الغارقين في العمل الدؤوب بالرقص، وإذا ما امتنع في المرة الأولى سيطلق الرجل الطلقة الأولى في ساقه، ليجد نفسه مرغماً على الرقص، ومن ثم يأمر حامل المسدس بمعالجة المصاب-الراقص، فيستشعر المصاب عمق رحمة وشفقة ورقة قلب الرجل .. فهل كان الرجل قوياً ؟ أم كان رحيماً رقيق القلب ؟ 
FAISALBNOMER@