كتاب سبر

وأد البنات “المعنوي”!!

من ينظر في أحوال كثير من المسلمين يجد بأنهم  ما بين مفتون في تقليد الغرب المعاصر وبين مقلد لأخلاق الجاهلية وبين جامع للمصيبتين وقليل من سلمه الله!.
ومن الأخلاق الجاهلية التي تفشت في المجتمعات الإسلامية وبُعثت على أيدي كثير من المسلمين وأد البنات!!!.
نعم وأد البنات ولكنه ليس الوأد الحسي بدفنها وهي حية في التراب ولكن وأدها المعنوي بعدم قبولها كأنسان يستحق الحياة، أعطاه الله حق المشاركة في عمارة الارض، وجعله ركنا أصيلا فاعلا لإدامة نواميس الحياة البشرية وفق ما رُسم لها !!.
فكثير من المسلمين اليوم يستاء عندما يبشر ببنت ويصبح حاله كحال ذلك الجاهلي الذي قص الله علينا خبره في كتابه الكريم عندما قال( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم . يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ، أيمسكه على هون أم يدسه في التراب؟ ألا ساء ما يحكمون)،يقول ابن القيم (والمقصود أن التسخط بالإناث من أخلاق الجاهلية الذين ذمهم الله تعالى في قوله (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ) وقال (وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم ) ومن هاهنا عبر بعض المعبرين لرجل قال له رأيت كأن وجهي أسود فقال ألك امرأة حامل قال نعم قال تلد لك أنثى)!!!.
ويقول الطاهر بن عاشور(وإذ قد فشا فيهم كراهية ولادة الأنثى فقد نما في نفوسهم بغضها فتحركت فيها الخواطر الإِجرامية فالرجل يكره أن تولد له أنثى لذلك ، وامرأته تكره أن تولد لها أنثى خشية من فراق زوجها إياها وقد يهجر الرجل امرأته إذا ولدت أنثى .
وقد توارثت هذا الجهل أكثر الأمم على تفاوت بينهم فيه ، ومن كلام بعضهم وقد ماتت ابنته : ( نِعم الصهْر القَبر )!!!.
ويقول رحمه الله(وهذا من جاهليتهم الجهلاء وظلمهم ، إذ يعاملون المرأة معاملة من لو كانت ولادة الذكور باختيارها ، ولماذا لا يحنق على نفسه إذ يلقح امرأته بأنثى)!!.
وليت الحانق على زوجته يعلم بأن الأمر ليس إليها وأنها غير مسؤولة عن هذا الأمر وليكن حاله كحال ذاك الجاهلي الذي استوعب _على جاهليته_ هذا الأمر ورضي بما قُسم له،فقد روى المؤرخون(أن أبا حمزة الضبي طلب من زوجته أن تلد له غلاما فولدت له جارية فهجرها عاما ، و مر بعد ذلك بخبائها ( خيمتها) فسمعها تلاعب و ليدتها و تقول :

مالأبي حمزة لا يأتينا
يظل في الدار التي تلينا
غضبان ألا نلد له البنينا
تالله ما ذاك في أيدينا
و نحن كالأرض لزارعينا
نخرج ما قد زرعوه فينا
فكأنها نبهت الرجل فدخل عليها و قبل وليدته و راضى زوجته)!!.
ثم إن الرجل لا يعلم ما هو الخير المقدر له، فكم من رجل تمنى الغلام وبعد أن رأى منه ما رأى من صنوف العقوق تمنى لو كان بنتا،وكم من بنت استاء ابوها من ولادتها فلما شبت فإذا بها سدت في عين أبيها مكان آلاف الرجال!!!.
يقول العلامة الطبري في تفسير قوله( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ )( وهذا صنيع مشركي العرب، أخبرهم الله تعالى ذكره بخبث صنيعهم فأما المؤمن فهو حقيق أن يرضى بما قسم الله له، وقضاء الله خير من قضاء المرء لنفسه، ولعمري ما يدري أنه خير، لرُبّ جارية خير لأهلها من غلام. وإنما أخبركم الله بصنيعهم لتجتنبوه وتنتهوا عنه، وكان أحدهم يغذو كلبه ويئد ابنته)!!!
ولا حول ولا قوة إلا بالله