العَلَم.. أَم رأس هايف والطبطبائي..؟
عواطف العلوي
تحية العلم، قصة لن يفهمها من وُلِدوا بعد التحرير، ولن يدركوا مشاعر اختلجت مع دموعنا التي انهمرت بلا توقف ونحن نحيّي علم الكويت مرفرفا شامخا فوق رؤوسنا في أول صباح يوم مدرسي بعد التحرير، ليؤكد لنا حريتنا ويحتفي بها معنا بعد عام كامل لم نكن نرى فيه إلا العلم العراقي في كل مكان، بينما علمنا الغالي مخبّأ لا نجرؤ حتى على الحديث به..!
العَلَم ليس مجرد «خِرجة»، بل هو رمز لدولتنا التي ننضوي كلنا تحت جناحيها، ولا عزّ لنا إلا بعزها ولا كرامة إلا بكرامتها، وتحيته هي بمثابة إعلان متجدد للعالم أجمع عن وجود بلدنا على خارطة العالم واستقلاله وحريته، واحترامنا للعلم يعكس احترامنا للدولة وتمسّكنا بقيم وطنية نرى فيها تأكيدًا لوحدتنا ومتانةً لنسيجنا الوطني..! بل إن هناك دولاً مثل الولايات المتحدة الأميركية أوجبت على المدنيين -وفق قانون العَلَم لديها- أن يحيُّوا العلم بوضع اليد اليمنى على موضع القلب، وعلى الرجال الذين يلبسون القبعات أن ينزعوها وقت التحية، وأن يرددوا صيغة معينة من الكلمات لتحية العلم تُعرَف باسم «عهد الولاء».
هنا في الكويت، نكتفي بالوقوف باحترام وانتباه لتحية العلم، ومع ذلك فهناك من يرفض الوقوف اعتمادًا على فتوى شرعية أصدرها علماء وشيوخ دين بعدم جواز تعظيم الجماد، لأنه يحمل في طيّه تعظيماً لغير الله وشركاً به وبدعةً محدثة وتشبُّهاً بالكفار، وهذا ما استند عليه النائب الفاضل محمد هايف حين ظل جالسا والناس قيام لتحية العلم قبل يومين، فقامت الدنيا عليه
ولم تقعد حتى ساعة كتابة هذا المقال..!
أنا وكثيرون مثلي لا نرى في تحية العلم تعظيما لجماد، بل هو تعظيم لقيم وطنية جميلة يرمز إليها العلم ولا تتعارض مع الشريعة، وفي ذات الوقت لا أنكر على النائب هايف حقه في التصرف وفق قناعته المستندة إلى تلك الفتوى، علما أنها ليست المرة الأولى له، مما يعني أنه شخص مخلص لمبادئه لا يحيد عنها حسب الأجواء والأهواء كما يفعل الكثير حوله، وهذا سبب كافٍ لنحترم هذا الرجل وإن اختلفنا معه.
لكني أعود فأقول له: ألم يكن الأولَى أن تتأخر عن الحضور حتى ينتهي عزف النشيد الوطني، مراعاة للمشاعر ومنعا للتصادم مع المجتمع بسبب فتوى قابلة للأخذ والعطاء، وفي ذات الوقت كي تبتعد عن الموسيقى التي كانت تدندن مع السلام الوطني وأنت جالس تستمع إليها، لأني أعرف أن فتاوى تحريم الموسيقى أكثر وربما أقوى من فتاوى تحريم الوقوف لتحية العلم.. أليس كذلك؟!
وهل تدرك أنك بتصرفك هذا تشيع روح الفوضى والتناحر لدى النشء وطلبة المدارس برفضهم تحية العلم في الطابور بحجة أن هذا الأمر منكر شرعا، أليس في هذا فساد أكبر من الفساد الذي تراه أنت بتحية العلم؟!
أخي محمد، أنت رجل نزيه مخلص نقيّ الضمير، لكنك بفعلك هذا منحت أعداءك -وهم كُثُر ممن لديهم أجندات داخلية وخارجية- منحتَهم عذرا للهجوم عليك بدعوى الوطنية والكرامة التي «استبحتَها» بفعلك هذا، بينما نعلم أن القضية بالنسبة إليهم ليست علما أو نشيدا وطنيا، بل رأس هايف والطبطبائي..!

أضف تعليق