أقلامهم

عبدالهادي الجميل: عيب وشق جيب!… ”خذ وهات وامسك لي واقطع لك”!

عيب وشق جيب! 
 
عبدالهادي الجميل

 
كنت قد عزمت على استكمال الجزء الثاني من مقالة” ليالي الأنس في فيينا” ولكني قررت العدول عن ذلك بعد اطلاعي على أجزاء قليلة من تقرير ديوان المحاسبة الأخير الذي يحمل في طيّاته “العيب وشق الجيب”. أنا أحترم قرّائي وأقدّرهم بدرجة كبيرة، واعتبرهم زبائن مهمّين ومميّزين جدا يشاركونني برأس المال ويتقاسمون معي الأرباح، ونظرا لأنني اعتبرهم ثروتي الحقيقية التي أحرص عليها أكثر بكثير من حرص حكومة الكويت على ثروة شعبها، فقد قررت الكتابة عن الفساد الذي أصبحت روائحه-مؤخرا-  تسمم هواء الكويت والمناطق الحدودية من الدول المجاورة.


هذا لا يعني عدم وجود الفساد من قبل، ولكنه كان يجري بطريقة مرتّبة ومحكمة بين المتورطين فيه والمنتفعين منه، فكان الشغل يتم بسكات وكأنهم “مستحين شوي” وعلى طريقة”خذ وهات، وامسك لي واقطع لك”، لهذا لم يكن المواطن العادي يشعر بوجود الفساد رغم أنه أحيانا يشم بعض روائحه الكريهة، فيسأل- بسذاجة- عن مصدرها، ليجد الرد جاهزا:”هذي ريحة المصانع النفطية والكيماوية جاءت بها الريح الشماليّة، مو عاجبتك ريحة النفط اللي معيّشك ومعيّش عيالك؟”.
في كل دول العالم تفوح رائحة الفساد أثناء أو بعد اكتمال العمل بالمشاريع إلّا في الكويت، فرائحة الفساد تزكم الأنوف قبل البدء بالعمل الذي سيحدث فيه الفساد!!


مثال على ذلك جامعة الشيخ صباح السالم التي  تم نهبها قبل انشائها. الفريق المشرف على مراقبة أعمال إنشاء الجامعة يتكوّن من موظفين في جامعة الكويت، أحد أعضاء هذا الفريق وتحديدا المشرف العام على مشاريع مدينة صباح السالم الجامعية حصل على عقد  بالباطن من المقاول الرئيسي للمشروع بقيمة 300 ألف دينار كويتي لتقديم خدمات نظام المعلومات الجغرافي وهي خدمات تتعلّق بالسوفت وير. 
يعني الشخص المكلّف بالتأكد من دقّة وسلامة أعمال المقاول، أخذ عقدا من المقاول!!


ديوان المحاسبة يقول ان هذا الشخص خالف قوانين الخدمة المدنية التي تمنع الموظف الحكومي من الحصول على أي مصلحة أو أعمال أو مقاولات أو مناقصات أو عقود تتعلق بأعمال أي جهة حكومية!!
اعلم باستحالة القضاء على الفساد في الكويت، ولكني أطالب بأن تتم ممارسة الفساد بطريقة ذربة وأنيقة وغير استفزازية، أشطر اللصوص والنصّابين في العالم يرتدون الملابس الرسمية عندما يرتكبون جرائمهم، فيتصرفون وكأنهم ذاهبون لحفلة خيريّة، أنا أطالب بأن يتعلّم المفسدون في الكويت هذه الثقافة، احتراما لمشاعرنا أثناء نهب أموالنا.


نحن الان نعيش نفس الأجواء المحمومة التي عاشتها كاليفورنيا في منتصف القرن الـ19 عندما تم اكتشاف الذهب في بعض أنهارها ومناجمها، فاكتسح الناس الولاية طمعا في الذهب الذي كان بلا حماية وكأنه المال الكويتي السايب الذي يتناهبه الجشع والطمع وقلّة المروءة، فكانت النتيجة أن عمّت قيم الانحطاط والتردّي وانتشرت في أجوائها روائح الفساد التي أفسدت القلوب والعقول وضيّعت الكثير من فرص التطوّر والتقدّم وكبّدت البلاد خسائر فادحة فاقت أضعاف أضعاف ما أنتجته مناجم الذهب فيما بعد.