كتاب سبر

يسقط الرئيس القادم

لم تقم مصر بثورتها، ولم تقدم ألف شهيد وآلاف المصابين من أجل أن توضع في النهاية بين شقي الرحى، مرشح الدولة الدينية محمد مرسي، ومرشح الدولة العسكرية أحمد شفيق. لم تنتظر مصر عاما ونصف دفعت ثمنه بالدم في أحداث بورسعيد ومحمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو، لكي تجد نفسها تعود إلى النظام القديم أو تسقط في أسر الدولة الدينية. 
تخلص الشعب من رئيس تسلطى فاسد، تخلص من عصابته الفاسدة، تخلص من قداسة المنصب، ودُفعت الدماء الطاهرة من أجل الحرية والكرامة والعدالة الإنسانية، هكذا فعل الشعب فى ثورته العظيمة فى 25 يناير فى 2011.
لكن لا يمكن أبدا أن تكون النتيجة ما نحن فيه الآن وعبر عام ونصف العام من الفترة الانتقالية التى أدارها جنرالات معاشات المجلس العسكرى بفشل يفوق الامتياز.. ومع هذا يريد أن يستمر فى إدارته الفاشلة، وأن يجعلنا فى اختيار بين الجهل.. والجهل بشرطة، بين الطامع والقاتل.
إن جنرالات المجلس العسكرى يريدون أن يتجرع الشعب السُّم، وقد استعادوا قوتهم مرة أخرى، بعد صدور حكم بحل مجلس الشعب الذى كان يسبب لهم صداعا من خلال النواب المراهقين وجماعة تنافسهم وتسعى للتكويش على السلطة، فعادت إليهم سلطة التشريع مرة أخرى، عادت إليهم بعد أن استطاعوا كشف القوى السياسية التى تسعى إلى مصالحها الشخصية فقط ولا تعمل أبدا من أجل الشعب والوطن ومستقبله..
عادت إليهم بعد أن كشفوا أيضا الأحزاب التى تعمل فى خدمة السلطة، أى سلطة كانت.. استبدادية.. فاشية دينية.. فاشية عسكرية.. تعمل من أجل مصالح رؤسائها والمتحكمين فيها، فهم الذين كانوا يعملون فى خدمة النظام المخلوع وأجهزته الأمنية ويقدمون خدماتهم الآن لمن فى السلطة.
عادت إليهم بعد أن كشفوا شخصيات دائما تجدها فى الخدمة وتقدم الولاء والطاعة وغيرها ما دامت تقترب من السلطة وتعتبر نفسها المتحدثة باسمها، المدافعة عنها ولا تختشى من خلع ملابسها..
عادت إليهم بعد أن كشفوا طمع هؤلاء جميعا، ومع هذا لم يتعلموا خلال الفترة الانتقالية أى شىء جديد، لم يتعلموا أن الشعب مستعد للتضحية من أجل حريته وكرامته، لم يتعلموا أن الشعب يصبر طويلا، لكن إصراره رهيب على ما يريده، لم يتعلموا أن الحياة تغيرت.. وما كان قائما فى الماضى لم يعد ينفع الآن، لم يتعلموا بعد، أن الشعب لن يتركهم فى حالهم حتى لو ذهبوا إلى أى مكان، طالما لم يحققوا أهداف ثورتهم، لن يتركوهم آمنين، فلا يعقل حتى الآن أن الشعب لم يستعد جنيها واحدا من المليارات التى صرفها النظام المخلوع وأفراد عصابته الهاربون، ولا يعقل حتى الآن أنه لم يسترد مترا واحدا من الأراضى التى نهبها رجال أعمال النظام المخلوع التى حصلوا عليها بأثمان بخسة وباعوها بعد ذلك بملايين الجنيهات وكونوا ثورة هائلة. 
ويفاجأ الشعب بهذه الأموال تُضخ فى الانتخابات وتُصرف فى الإعلانات وعلى إعلام الفضائيات الذى يحاول أن يستعيد نفس إعلام مبارك وابنه، ويعود الفساد والفسدة من جديد، لقد اصطف الفاسدون مرة أخرى، الفاسدون سياسيا والفاسدون ماليا حول مرشحهم، لعلهم يستعيدون فسادهم وإفسادهم مرة أخرى، وهو لن يحدث أبدا، فقد أصبحوا مكشوفين مفضوحين للجميع، وبعد كل ذلك لا يعقل أن يكون الاختيار بين مرسى وشفيق، فقد كشف الشعب جماعة مرسى وسعيها للتكويش وعقدها الصفقات لضرب الثورة والثوار ومن أجل مصالحها فقط، فها هى الآن تخسر فى كل شىء، وكشف الشعب القتلة الذين نهبوا وسرقوا وحاولوا إجهاض الثورة من أول يوم.
 فلا لمرسى.. ولا لشفيق..
 فالرجلان وما يمثلان ليسا طموح الشعب والثورة.
لقد قررنا أن نختار طريقا ثالثا بعيدا عن المرشحين.. طريق الثورة المستمرة.