كتاب سبر

نصف وطني

إن تعلق الشعوب بأوطانها من الأمور المقدسة التي تستلزم التضحية بالنفس والمال والولد في سبيل الذود عن الأرض التي يقطنها الأبناء والأحفاد وفي ثراها الآباء والأجداد ، يدافع عنها جيل بعد جيل ومهما أبتعد عنها الإنسان فهو يتمنى العودة لها ….
إذن الوطن يستلزم الحس الوطني هذا الحس السامي الكامل فلا يوجد إنسان بنصف وطنية فهو إما كامل الوطنية أو ( ….. ) .
فإذا غلب المنصب الوطنية أصبح الإنسان غير وطني ، وإذا غلب المال الوطنية أصبح الإنسان غير وطني وإذا غلبت النفس الوطنية أصبح الإنسان غير وطني وهكذا .


ولكن في وطني كم من منصب سياسي غلب الوطنية وكم من منصب قيادي غلب الوطنية ، فمن يقبض المال من غير حق فلا بد أنه باع شيء من مبادئه وقناعاته وأصبح يعمل ضد مصلحة المواطن والوطن ، كم من عضو مجلس أمة باع وطنه من أجل الدنانير وصوت على قرار ضد قناعاته التي دخل بها المجلس فذلك باع وطنيته وكم من مسؤول أستلم مزرعة أو شاليه وتنازل عن وطنيته بالمقابل لإرضاء طرف ما ، وكم من فاسد أدخل طعام فاسد وجمع الدنانير فهو قد باع وطنيته وقبض الثمن وكم من موظف أستلم الرشوة مقابل تمرير معاملة مخالفة فهو أيضا باع وطنيته ، وفي الطرف الأخر من يشتري وطنية الناس أو يسلبهم وطنيتهم ويجعلهم مسخ مقابل تطبيق سياسات معينة وقد مر علينا في تاريخنا السياسي الكويتي الكثير من هؤلاء الذين يدعون الوطنية وهم يدفعون بالشمال واليمين ويتركون ورائهم مجاميع من ( المسوخ ) مسلوبي الوطنية .


أدفع وأفعل ما تشاء سياسة هدم للوطنية ودفع الوطن نحو الاضمحلال والسير للمجهول ، أدفع وأستولي على أراضي الدولة ، أدفع وأنجز معاملات مخالفة ، أدفع ومرر أطعمة فاسدة ، أدفع وخذ أي مناقصة من الدولة ، أدفع وأبني مجمعاً مخالفاً للشروط والمواصفات ، أدفع وأحصل على شهادة الدكتوراه ، أدفع وأشتري أصوات البسطاء للوصول للتشريع في المجلس ، أدفع وأشتري ضمائر الناس ، أدفع وأفعل ما تشاء …… فأنت في الكويت !!
وأخيرا النتيجة …. بلد تعمه الفوضى والخراب بنية تحتية ضعيفة واستشراء الفساد في كل مؤسسات الدولة والشركات ، عمالة وبطالة منتشرة في الشوارع ، الجرائم اليومية لا حصر لها ، الضغط على الخدمات الصحية والتعليمية على حساب المواطن البسيط ، ارتفاع نسبة الطلاق ، انتشار أوكار الفساد في كل مكان ، المخدرات تقتل الشباب وتنهب الأموال ، الطعام الفاسد يباع في كل مكان ، انتشار الأمراض الغريبة ، تلوث البيئة التي تسبب السرطان ، عصابات تخترق الأمن الوطني وكل ذلك على حساب المواطن البسيط الذي فقد الثقة بالقياديين والسياسيين وأعضاء مجلس الأمة وفقد الثقة بكل شئ كان يحسبه جميلا يوما ما .


نعم لا يوجد شئ أسمه ( نصف وطني ) فالوطنية لا تتجزأ والعبث بأمن الوطن نتائجه وخيمة على المجتمع وعلى الوطن ولو بعد حين ، فقد لا نشعر به الآن ولكن مع وجود هذه التراكمات سيخرج جيل لا ينتمي …… جيل لا يفكر إلا بالمال والمنصب على حساب كل شئ …. أي كل شئ فلا شئ بعد ضياع الوطنية إلا ضياع الوطن .
إخواني .. أخواتي ..
لا ننتظر الكثير من الحكومة والمجلس لإصلاح الوضع القائم ، ولكن أغرسوا في أولادكم حب الوطن وقدسية الوطنية وعلموهم أنه لا يوجد شئ أسمه ( نصف وطني ) فالوطن ثم الوطن ثم الوطن .


إبدأو بأنفسكم وأبنائكم وازرعوا فيهم مفاهيم الوطنية وأن الشعب الكويتي واحد بكل أطيافه ، وأن حبك للأخر ضمان لبقائك وأن وجود الأخر وتقبله باختلافاته هو ضمان لبقاء الوطن .
سيذهب السياسي والقيادي والشيخ ويبقى الوطن فلا نتمسك بالذي سيذهب ونترك الذي سيبقى .
وأستشهد بقول الناشط السياسي الأمريكي / مارتن لوثر كنج :
( علينا أن نتعلم العيش معاً كإخوة ، أو الفناء معا كالأغبياء ) .