كتاب سبر

حتى لا نصنع فرعونا جديدا

الشيء المؤكد الآن في مصر،  في ظل حالات الشك والريبة والمستقبل الغامض، أن الثورة تسير في طريقها الصحيح، ربما تعثرت، ربما سقطت، ربما اختطفت، لكنها في كل الأحوال تقوم من سقطتها في كل مرة أقوى من  ذي قبل. 
المؤكد أيضا أن الثورة هزمت الفلول، حتى لو جاءت الانتخابات الرئاسية برئيس جديد من جماعة، باعت الثورة كثيرا، إلا أن الأصوات التي منحت الدكتور محمد مرسي فرصة الفوز بمقعد الرئاسة، كانت تأكيدا على أن مصر لا تريد العودة إلى نظام مبارك حتى ولو كان البديل هو المجيء بمستقبل غير ثوري تماما، وغير واضح المعالم.
الشيء الثالث المؤكد الآن في مصر أيضا، أن لدينا تيار مدني قوي، ولدينا تيار معارض قوي، بل يمكن القول إن نصف من انتخبوا مرسي هم من معارضيه، وأهمية هذه النقطة أن هذا لن يمنح مرسي فرصة التحول إلى فرعون أو ديكتاتور، أو أب لكل المصريين أو زعيم لكل المواطنين على طريقة الرؤساء السابقين، بل ستحوله هذه المعارضة القوية إلى مواطن عادي، جاء إلى السلطة عن طريق أصوات المصريين، عن طريق حزب الحرية والعدالة.، ولهذا يجب أن يكون في مصر خلال الأشهر المقبلة أحزاب أخرى قوية، مثل حزب الدستور الذي يؤسسه الدكتور محمد البرادعي، أو حزب الكرامة الذي أسسه المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي للمنافسة على مقعد الرئاسة القادم، وبهذا نتحول إلى دولة ديمقراطية بها أحزاب قوية تتنافس على مقعد الرئاسة، لا دولة يحكمها فرعون، وينظر إلى المواطنين على اعتبار أنهم رعية.
لذا فمن دون شك، فالدكتور عصام العريان رئيس حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان، على حق عندما يؤكد حق حزبه فى تشكيل الحكومة بنفس قدر قوة الحزب وتمثيله فى مجلس الشعب «المنحل» ومجلس الشورى القائم.
 ليس هذا فقط، فمن حق حزب الحرية والعدالة تشكيل الحكومة بالكامل، وليس مهمًّا حكاية الحكومة الائتلافية، فقد حصل مرشح الحزب الدكتور محمد مرسى على منصب الرئيس بالانتخابات ومن حقه تكليف من يشاء برئاسة الحكومة، ومن ثم الأوْلى حزبه وجماعته فهو يعرفهم جيدا ويستطيع أن يتعاون معهم ويكلفهم بما يشاء.. فربما يحصل صدام إذا اختار شخصية أخرى أو شخصيات فى الحكومة تختلف مع توجهات الإخوان وسياساتهم التى ارتضوها واعتبروا أنهم حصلوا على ثقة الشعب بناء عليها..
 لقد رفض الإخوان فى شهر يناير الماضى فى أول جلسة لمجلس الشعب بعد انتخابه تحمّل المسؤولية وتشكيل حكومة باعتبار أنهم حصلوا على الأغلبية فى البرلمان، ومن ثَمّ كان حقهم فى تشكيل الحكومة، وكان ذلك فى مقدمة قائمة المطالب التى تقدم بها الثوار الذين ذهبوا إلى مجلس الشعب، لكن وقف لهم الإخوان وأنصارهم أمام المجلس ومنعوهم من تقديم مطالب الثورة والميدان، فى نفس الوقت الذى ذكروا فيه أن شرعية الميدان انتهت بانتخاب البرلمان، ليعودوا بعد ذلك إلى الميدان ويطالبوا الثوار بتأييد محمد مرسى واعتباره مرشح الثورة.
 
والآن وقد حصلوا على منصب الرئيس فمن حقهم تشكيل الحكومة كما يريدون وعليهم تحمل المسؤولية كاملة أمام الشعب الذى انتخبهم أو الذى لم ينتخبهم، ومن حق الدكتور مرسى اختيار فريقه الرئاسى الذى يستطيع أن يتعاون معه، وهو فى حِلّ من تعهداته التى أطلقها فى أثناء الدعاية الانتخابية، ومن حقه أن يختار رئيس ديوانه من الشخصيات التى تعامل معها ويعرفها جيدا.. ويسهل تنفيذ أوامره ويتابع قراراته.
 وأعتقد أن فريق حملته الذى يصاحبه الآن فى زياراته سواء فى قصر الاتحادية ولقاء الجنزورى أو وزارة الدفاع ولقاء المشير طنطاوى والفريق سامى عنان وجنرالات معاشات المجلس العسكرى -ليقدم لهم الشكر والتقدير على تحملهم الفترة الانتقالية وأدائهم الذى حمى الثورة والبلاد- هو فريق ناجح استطاع أن يساعده فى الوصول إلى منصب الرئيس، وتحمل الكثير من التشكيك فى استباقه إعلان النتيجة بعد ساعات من إغلاق لجان التصويت فى إنجاز مؤسسى مذهل أربك الجميع.. فمن حق هؤلاء أن يكونوا ضمن الفريق الرئاسى للرئيس محمد مرسى، كل ذلك من حق الرئىس محمد مرسى: اختيار فريقه الرئاسى، وحكومته برئيسها، ووزرائه.. لكن ليس من حقه إنكار الشفافية.
 فلا بد من الشفافية ومصارحة الشعب فى ما يجريه حتى من مفاوضات مع القوى السياسية، ولا بد أن يخلع ما كان يفعله فى التنظيم المغلق لجماعة الإخوان والذى يسير على هديه حتى الآن حزب الحرية والعدالة، فحتى الآن ما زالوا ينكرون مفاوضاتهم مع القوى السياسية والعسكر فى مستقبل البلاد.
 فمن غير المعقول أن تعرف أن هناك مفاوضات أجراها الرجل القوى فى جماعة الإخوان المسلمين خيرت الشاطر الذى قدم محمد مرسى لمنصب رئيس الجمهورية من وسائل الإعلام الغربية وصحفيين ومراسلين أجانب مع جنرالات المجلس العسكرى للاتفاق على تفاهمات ومناصب وصلاحيات للطرفين (العسكر والإخوان)، وكأن الشعب الذى انتخب مرسى ليس له علاقة بما يحدث.
ولعل الرئىس محمد مرسى يعى جيدا أن مباحثات الغرف المغلقة التى كان يعقدها جمال مبارك أيضا لوراثة حكم أبيه.. ومع جنرالات أيضا، كانت من الأسباب التى أطاحت به.
الشيء المطلوب الآن من القوى السياسية أن تنظم صفوفها، وأن تنتظم في صف واحد،  وأن تمثل معارضة حقيقية، حتى لا نصنع فرعونا جديدا، وان تستعد من الآن للانتخابات القادمة.