كتاب سبر

هل نجحت الثورة المصرية فعلا؟

انتهت أخيرا الفترة الانتقالية في مصر، بعد مضى عام ونصف، على خلع الرئيس السابق حسني مبارك ونظامه، لم تتوقف فيه الصراعات بين فريق الثورة والثورة المضاد، لم يتوقف فيه المصريون ولو للحظة حتى لالتقاط أنفاسهم من فرط الأحداث المتعاقبة. 
عندما نتذكر الفترة الانتقالية نتذكر كل المآسي التي حدثت، نتذكر شهداء محمد محمود، والفتاة التي تم تعريتها وسحلها في أحداث مجلس الوزراء، نتذكر الشهيد عماد عفت، الشيخ الجليل الذي تم قتله، نتذكر حرق المجمع العالمي، نتذكر فتنة إمبابة وحريق الماريناب، نتذكر الشهيد مينا دانيال وأحداث ماسبيرو التي دهست فيها دبابات الجيش  أجساد المتظاهرين، نتذكر أحداث العباسية الأولى والثانية، نتذكر آلاف المعتقلين السياسيين الذين يحاكمون أمام محاكم عسكرية، نتذكر الكشف على عذرية الفتيات، نتذكر سجن أحمد دومة وعلاء عبد الفتاح. 
لهذا أقول أن الثورة لم تنته يوم 11 فبراير 2011، بل انتهت يوم 30 يونيه 2012، عندما أقسم الرئيس محمد مرسي اليمين الدستورية، وتسلم الشرطة رسميا من المجلس العسكري الذي يجب عليه العودة فورا إلى ثكناته. 
عودة المجلس العسكري إلى ثكناته، وانتخاب محمد مرسي رئيسا لمصر، كأول رئيس مدني، هل تعني أن الثورة نجحت، الأكيد أن الثورة قاومت وصمدت، وتحدث الثورة المضادة والطرف الثالث، الذي قويت شوكته في الأسابيع الأخيرة عندما بدا أن مرشح النظام السابق قارب على الفوز، الأكيد أن الثورة استطاعت أن تقاوم ودفعت ذلك من دماء الشهداء وآلام المصابين، وأجبرت الرئيس الجديد، الذي حتى لو لم يكن ينتمي إلى جماعة ثورية أن يذهب إلى ميدان التحرير، ويعترف بالشرعية الثورية لهذا الميدان الذي أشعل الثورة في مصر. 
الأكيد أيضا أن مصر أصبح فيها أول رئيس مدني بعد 60 عاما من حكم العسكر، وأول رئيس ينجح “على الحركرك”، بنسبة تزيد عن نصف أصوات المنتخبين قليلا، وهذه كلها إشارات على أن الثورة مستمرة، وانها تتعلم من أخطائها، وأنها ـ وهذا هو الأهم ـ مستمرة.
اليوم أصبح هناك رئيس لمصر، رئيس منتخب أى نعم.. هو الرئيس محمد مرسى، لكنه ليس قائد الثورة، فالثورة كان قائدها الشعب كله، وأصر الشعب على استمرارها، والشعب هو الذى أجبر مرسى وحزبه وجماعته على العودة إلى الثورة مرة أخرى، وإلى الميدان، ولعلنا نذكر هنا أن أعضاء البرلمان وقيادات جماعة الإخوان التى ينتمى إليها الرئيس هم الذين قالوا: إن شرعية الميدان انتهت.. والشرعية الآن للبرلمان.. ورفضوا استقبال شباب الثورة فى أول يوم انعقاد لمجلس الشعب، لتقديم مطالب الميدان للبرلمان. 
 ولعلنا نذكر أيضا أن الدكتور محمد مرسى وحزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان.. لم يشيروا إطلاقا إلى أن مرشحهم هو ممثل الثورة بين المرشحين للرئاسة، فقد كان معلوما وواضحا للجميع أن مرشحى الثورة ثلاثة رئيسيون، هم: حمدين صباحى، وعبد المنعم أبو الفتوح، وخالد على.. ويضاف إليهم المستشار هشام البسطويسى، وأبو العز الحريرى، وجرت جميع التحليلات على أن انقسام أصوات الثورة على هؤلاء جميعا كان سببا رئيسيا لعدم فوز أى منهم، بل عدم وصول أى منهم إلى انتخابات الإعادة.. على الرغم من أنه كان هناك اثنان من هؤلاء المرشحين، وهما: حمدين صباحى وعبد المنعم أبو الفتوح، أقرب إلى أصوات محمد مرسى، وأحمد شفيق، اللذين خاضا انتخابات الإعادة..
 ومن هنا انطلق محمد مرسى وحملته للحصول على تأييد القوى الثورية فى انتخابات الإعادة ضد ممثل بقايا نظام مبار، وهنا قررت القوى الثورية -التى قد لا تؤيد محمد مرسى وجماعة الإخوان- إعلانها تأييد مرسى ضد مرشح بقايا نظام مبارك، ورئيس الوزراء الذى استعان به مبارك لإجهاض الثورة.. وكان رئيسا للوزراء فى موقعة الجمل.. وجرت الأحداث وهو رئيس الوزراء.. ولم تتم مساءلته هو أو وزير داخليته محمود وجدى.
 ومن حق الرئيس محمد مرسى أن يعود إلى الميدان الآن وأن يحتفل برئاسته.. بعد أن وقف الميدان معه ضد قوى الثورة المضادة.. ومن حقه أن يهتف “ثوار أحرار.. هنكمل المشوار”.. وهو الهتاف نفسه الذى رفعه الثوار ضد العسكر والإخوان.. عندما أراد الاثنان الاحتفال بالذكرى الأولى لثورة 25 يناير، احتفالا كرنفاليا مهرجانيا فى ميدان التحرير.. لكن الثوار أبوا مؤكدين أن ثورتهم مستمرة.
من الجميل أن يعود الرئيس محمد مرسى ليؤكد أن الثورة مستمرة، ويعاهد ميدان التحرير بأن الثورة مستمرة، ويؤدى اليمين أمام الميدان، وليس شرطا أن يكون قائد الثورة، لكن تظل أمامه الكثير من التحديات، ويظل أمامه الكثير من تنفيذ الوعود التى وعد بها ولا يزال يتعهد بها.
 يظل أمامه استعادة الأمن.. وقد بدأ أول أيامه فى الرئاسة، وقبل أدائه اليمين الدستورية، بزيارة الشرطة والأمن للتصالح معهم.. واستعادتها إلى الشارع وفق قواعد الثورة، من إعلاء قيم الحرية والكرامة، بدلا من التعالى والتعذيب والقهر التى كانت تسير عليها قوى الأمن خلال فترة مبارك، الله لا يعيدها.
يظل أمامه تطهير المؤسسات وعلى رأسها مؤسسة الرئاسة.. وأن لا يخضع لترتيبات ومزاج تلك المؤسسة المتضخمة فى أمنها وتأمينها.
 يظل أمامه استعادة الأموال المنهوبة والتى هربت إلى الخارج فى حراسة مسؤولين كبار، ما زال بعضهم على رأس مؤسسات مالية وتنفيذية حتى الآن.. ناهيك بالأراضى التى تم الاستيلاء عليها من رجال أعمال مبارك وابنه، يظل أمامه إعادة محاكمات قتلة المتظاهرين فى ثورة 25 يناير،  يظل أمامه الكثير لاستعادة دور مصر بما يساوى قدرها وتاريخها وجغرافيتها وبشرها.. وثورتها فى 25 يناير 2011.
انتهت المرحلة الانتقالية، لكن بدأت مرحلة جديدة، البعض يرى أنها انتقالية جديدة، والبعض يرى أنها هي التحدي الأكبر أمام مصر لكي تستعيد مكانتها مرة أخرى.