آراؤهم

الاختلاف.. نعمة ونقمة!

الاختلاف الإنساني سنة كونية ، و فطرة طبيعية بين البشر ، ولا يمكن تجريد الإنسان من حرية رأيه ، وقد يجهل البعض أن الاختلاف هو بداية الحوار ، ولولاه لما كان هنالك حوارٌ من الأصل ، ولم يكن هنالك حضارة ; لأن الحضارات لا تُبنى إلا بالاختلاف الإيجابي ، ولو أتحدت آرائنا و توازت أفكارنا لأصبحنا متشابهين في كل شيء ، والتشابه يورّث الملل ، ولا يغذي البهجة المغروسة في أنفسنا ، فالتنوع سنّة بشرية ، وقد أتى القرآن بذكر الاختلاف في سورة فاطر كما قال تعالى : ” فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها ” ، واختلاف الألوان يسرُّ الناظر لها . كذلك الأمر مع آرائنا المختلفة ، فتباينها يخلق جواً فكرياً إيجابياً يحرض على الإبداع والاكتشاف فيما نتحاور فيه .

ورغم جمال الاختلاف ، إلا أنه قد يقود إلى النزاع والبغضاء ، بل أنه السبب الأول في نشأة الطائفية البغيضة بين الناس ، والحروب التي أراقت الكثير من دماء الأبرياء ، هذا الاختلاف الهدّام لا يرحم ، فهو بين طرفين يسعى كل منهما إلى إثبات صحة قوله على الآخر ، وأبسط ردة فعل هي رفض ما أتى به الآخر ، ليحاول كل طرف أن يُثبت رأيه بأدوات القوة التي يمتلكها . ومع اختلاف أدوات القوة يختلف الضرر ، فإما سلاحاً أو جدالاً أو قتالاً وما إلى ذلك .
إن الاختلاف الإيجابي والجدل العلمي يقوم بإثراء فكرنا من حيث لا نعلم ، إذ أستطيع تشبيه الحوار بالمصفاة التي تصفي البطاطا من الزيت ، فالأول استفاد من حرارة الأخير في إنضاج محتواه . وهذا ما يجب على الحوار أن يفعله ، أي نضوج آرائنا وتلاقح أفكارنا تحت ظلال نقاشاتنا . فالشورى أدبٌ عظيم ، وقالوا قديماً : ( ما خاب من استشار ) ; لأن المشورة تصّفي الآراء الصائبة إلى الرأي الأكثر صواباً ، فالحلول المختلفة قد تكون جميعها صحيحة ، لكن دائماً هنالك حل صائب أكثر مرونة مع المشكلة التي نتشاور بتفاصيلها .

وإني لأرى احترام الآراء من حولنا هو الدرب القويم لتفادي منغصات الاختلاف ، فمن لاتحترم ما يؤمن به لا تتوقع بأنه سيحترم ما تؤمن أنت به ، ولنا في الحكمة الإلهية مضرب مثل حين يقول الله تعالى في سورة الأنعام : ” ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم … ” ، أي أن سب آلهة المشركين سيدعوهم إلى سب إله المؤمنين وهو الله جل شأنه ، وأتى النهي من باب إغلاق المفسدة المترتبة على سب ما يعتقدون بصحته. وهذا ما يجعل للصمت ( حكمة ) وإن كنا نكره ما كنا به مختلفون .

 قد نُسأل في أحد الأيام ، كيف لنا أن نختلف في حدود الأدب الذي يحمي حقوق كل فرد دون مساس بما يعتقده الآخرون ؟ والجواب لا يمكن محو التأثيرات السلبية لذلك ، بل يمكننا التقليل منها بصمت الحكماء أو ردود العقلاء المجردة . فالخير والشر لا ينفصلان إن كانا في أرضٍ واحدة ، فبالخير نُدرك الشر ، وبالشر نستدعي الخير . مهما أدعينا نجاة فرقتنا من الهلاك ، ومهما أدّعينا السكنى في المدينة الفاضلة برفقة السحاب .

تويتر : www.twitter.comQmajed