كتاب سبر

مصر تدخل المتاهة

بدلا من أن ينتشل الرئيس محمد مرسي مصر من المتاهة التي دخلتها طوال عام ونصف من الفترة الانتقالية، قرر أن يدخلها في متاهة جديدة، متاهة ما بين قاعات المحاكم وتصريحات القضاة، وانقسام الشارع السياسي إلى مائة فريق.
لم نكن بحاجة إلى قرار عودة البرلمان مرة أخرى، ولم يكن الرئيس نفسه في حاجة إليه، لأنه قرر أن يتم عقد انتخابات برلمانية أخرى عقب وضع الدستور، وهو ما يطرح سؤالا لماذا فعل الرئيس ما فعله، هل هو من باب استعراض القوة فحسب، أم الاستحواذ أم إثارة الجدل، وألم يكن له من الأفضل بدلا من أن يدخل البلاد في جدل بينزنطي أن يهتم بمطالب المصريين العاجلة والتي قال إنه سيحلها في مائة يوم ورغم ذلك لم يفعل منها شيئا، أو يشكل الحكومة التي تبدو صعبة المخاض، أو يفرج عن المعتقلين السياسيين، فبالتأكيد هناك أولويات أخرى أكثر أهمية لمصر الآن من إعادة البرلمان، وتدخل في دوامة ومتاهة جديدة من الانشقاق.
الدوامة الجديدة، كانت نتيجتها أن اجتمع مجلس الشعب المنحل بناء على قرار محمد مرسى رئيس الجمهورية وبدعوة من رئيسه سعد الكتاتنى لينفضّ من جديد بناء على قرار بإحالة القضية إلى محكمة النقض، ليكشف عن التفاف جديد على الأحكام القضائية والدخول فى متاهات قضائية وعبث فى مصير الأمة ومن أجل مصالح شخصية، فما زالت جماعة الإخوان التى ينتمى إليها كل من محمد مرسى وسعد الكتاتنى تعمل وكأنها جماعة سرية محظورة، وأن القرارات التى تصدر عن قياداتها لا تُناقَش ولا تُراجَع.. وإنما تُنفَّذ بالسمع والطاعة.
هكذا تصرف مرسى فى قراره بإعادة مجلس الشعب «المنحل»، ضاربا عرض الحائط بحكم المحكمة الدستورية وهى نفس المحكمة التى أدى أمامها اليمين الدستورية، ورئيسها هو الذى أعلن فوزه بانتخابات الرئاسة وسط جدل وريبة حول إعلان النتيجة، وهكذا يتصرف سعد الكتاتنى بإحالة القضية إلى محكمة النقض، وهو الذى يعرف وأعضاء المجلس المنحل أن «النقض» تنظر فى صحة العضوية بناء على ما شاب الانتخابات من إجراءات فاسدة أو تزوير فى التصويت.. أما حكم المحكمة الدستورية فقد قضى بعدم دستورية المواد التى أُجريت عليها انتخابات المجلس.. فما علاقة محكمة النقض بذلك؟
إنه لفٌّ ودوران على القضية الأساسية، وأداء فاشل وفاسد من قيادات جماعة الإخوان وممثلها فى الرئاسة وفى البرلمان، أداء أسوأ مما كان يصير عليه النظام المخلوع وأركانه منذ ترزيته الفاسدين، وبالطبع قرار الكتاتنى بإحالة القضية إلى محكمة النقض ورفع جلسات المجلس إلى أجل غير مسمى، فضلا عن أنه قرار «فاسد» فإنه يعيد المخصصات له من مكافآت وسيارات وحراسة، وكذلك لنواب المجلس، بالإضافة إلى الحصانة لأمثال الشيخ ونيس والبلكيمى وغيرهما.. فكم يكلّف هذا المجلس يوميا ميزانية الشعب الغلبان بعد أن تم حذف ما يزيد على مليار جنيه فى انتخاباته.
أليس فى ذلك إهدار المال العام؟!وكيف يقبل أعضاء فى هذا المجلس تلك المهزلة ويقبلون الوضع القائم والحصول على المكافآت الحرام؟ ألم يفكر الرئيس محمد مرسى فى مراجعة قراره ومراجعة جماعته وقياداته فى مكتب الإرشاد، وذلك بعد أن افتضح الأمر، واتضح أنه قرار معيب، وأنه حاول أن يلف ويدور ويناور بتصريحات على لسان المتحدث باسمه فى الرئاسة بأنه لم يتعرض للمحكمة الدستورية ولم ينتهك حكم المحكمة الدستورية وإنما كان قراره خاص بسحب قرار المجلس العسكرى الخاص بالتنفيذ..؟ وهو هنا كأنه يخاطب «هُبل.. وعُبط».. فحكم المحكمة الدستورية إذا كان قد قرأه الدكتور محمد مرسى -وأظن أنه لم يقرأه- يؤكد عدم دستورية مواد قانون الانتخابات، وأن مجلس الشعب منحل بالحكم، وليس فى حاجة إلى قرار تنفيذى.. وجاء نَصًّا «لما كانت انتخابات مجلس الشعب قد أُجريت بناء على نصوص ثبت عدم دستوريتها فإن مؤدى ذلك ولازمه -على ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أن تكوين المجلس بكامله يكون باطلا منذ انتخابه، بما يترتب عليه زوال وجوده بقوة القانون اعتبارا من التاريخ المشار إليه دون الحاجة إلى اتخاذ أى إجراء آخر، كأثر للحكم بعدم دستورية النصوص المتقدمة وإنفاذ لمقتضى الإلزام والحجية المطلقة للأحكام الصادرة عن الدعاوى الدستورية فى مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة طبقا لصريح نص المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979».
ومن ثم يكون الدكتور محمد مرسى تعدى وانتهك وأهدر حكم «الدستورية».. بل واحتقر المحكمة ولم يهتم بحكمها وأصدر قرارا جمهوريا فاسدا. وكذلك يسير الكتاتنى على خطى زميله وصديقه.. ويحيل الأمر إلى عدم الاختصاص ليحافظ على وجود المجلس المنحل لندخل فى عبث جديد بديلا عن عبث إدارة جنرالات معاشات المجلس العسكرى للفترة الانتقالية.
من المستفيد من هذه المتاهة الجديدة غير الإخوان؟ من المستفيد من انقسام الشارع؟ لك الله يا مصر. لك الله يا ثورة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*رئيس التحرير التنفيذي لجريدة التحرير المصريةر