كتاب سبر

الحكومة المجهولة

أصبحت مصر تطل على المجهول، بعد مرور أسبوعين على تأدية الرئيس يمينه الدستورية أمام المحكمة الدستورية، ولم نسمع أية تفاصيل عن الحكومة المنتظرة، والتي يبدو أنها في علم الغيب، ولا أحد يعلم متى سيتم الإعلان عنها. 
خطورة الامر، أن مصر في توقيت حرج، وأنها لا تحتمل تأجيلا أكثر من التأجيل الذي عاشت فيه طوال عام ونصف، ولا تحتمل تأخرا في اتخاذ القرارات، فقد كانت آفة نظام مبارك، هي اتخاذ القرارات في الوقت الضائع، وربما لا يدرك الرئيس محمد مرسي أن المائة يوم التي أعلن أنه سيقوم خلالها بحل خمس مشكلات أساسية تواجه المواطن المصري، تحتاج إلى حكومة قوية مستقرة لتنفيذ هذه الحلول التي لم نر منها أي شيء حتى الآن. 
بالطبع، الرئيس محمد مرسى سينشغل كثيرًا فى أمور الدولة، وعلى رأسها العلاقات الخارجية واستعادة الثقة فى مصر، تلك البلد التى قامت بثورة عظيمة أثرت وبهرت العالم كله، وإن كانت نتائجها ليست على القدر الذى خرج فيه الناس للإطاحة بنظام مستبد فاسد، والمطالبة بدولة ديمقراطية مدنية حديثة، ودستور جديد يشارك فى كتابته جميع قوى المجتمع. 
 قد بدأ الرئيس مرسى بالانشغال بزياراته الخارجية، وسافر إلى السعودية، ويسافر إلى أديس أبابا للمشاركة فى مؤتمر القمة الإفريقية، تلك التى أهملناها كثيرًا بناءً على مزاج شخصى من الرئيس السابق.. ونظرته الدونية إلى دول إفريقيا، بعد تعرضه لحادثة اغتيال فى أديس أبابا عام 1995.. وهو ما أثر بعد ذلك على جميع العلاقات الإفريقية.. وكان له دور سيئ نعانى منه وسنعانى منه عبر السنوات المقبلة فى شأن مياه النيل والعلاقات مع دول حوض النيل، وهى تركة ثقيلة من آثار النظام المخلوع الذى كان يبنى علاقاته بالدول بالمصلحة الشخصية، وليس من أجل مصلحة البلاد.. 
 كما سيلتقى الرئيس محمد مرسى قيادات ورؤساء دول عربية وأجنبية صديقة.. تسعى لاستعادة مصالحها مع مصر.. بعد فترة الحكم السيئ وبعد فترة انتقالية من الإدارة الفاشلة التى باعدت بين مصر وتلك الدول.. وكانت مصر فى حاجة ماسة إلى تلك العلاقات فى تلك الفترة. 
 وها هو ذا يلتقى المنصف المرزوقى، رئيس تونس التى كانت طليعة ثورات الربيع العربى.. ويلتقى وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون.. والتى أصبح لبلادها كلمة فى الواقع السياسى، نتيجة للإدارة الفاشلة لفترة ما بعد الثورة..
 لكن، بالرغم من كل ذلك يظل السؤال الذى يطرحه الشارع عليه، وهو: أين الحكومة؟! منْ سينفذ خطته خلال الـ100 يوم التى طرحها.. وقد مر قرابة الأسبوعين، لم يحدث أى تقدم يُذكر فى ما طرحه من حل مشكلات المرور، والنظافة، والعيش، وخلافه، بل إن هناك مشكلة جديدة استجدت مع تولى الرئيس مرسى الرئاسة..  
وهى المطالب الشخصية وليست الفئوية فقط.. والتى بدأت فى الوجود اليومى لأشخاص وجماعات أمام القصر الرئاسى.. ووصل الأمر إلى مطالبة أشخاص بالإفراج عن ذويهم فى قضايا جنائية، وهناك المشكلة الأكبر فى طريقة وأداء الرئيس محمد مرسى، وهى عدم الشفافية.. فلا أحد يعرف ماذا يحدث فى قصر الرئاسة من لقاءات أو تشاورات.. ناهيك بمؤسسة الرئاسة نفسها وفريقه الرئاسى.. فضلا عما يدور فى جماعته وحزبه فى تداول الأمور.. فمرة تسمع من قيادات الجماعة والحزب أنه ليست لهم علاقة بتشكيل الحكومة والفريق الرئاسى.. ومرة أخرى لا ينقطعون عن تصريحاتهم وإشاراتهم إلى الشخصيات وإلى النسب الحزبية فى تشكيلة الحكومة..
 لكن يظل السؤال مطروحًا.. أين حكومة الرئيس مرسى؟! 
هذا فى ظل الأسماء التى يتم طرحها، والتى لا تعبر إطلاقًا عن طموح الثورة والثوار.. فهناك أسماء يتم تداولها تنتمى إلى فريق النظام السابق.. وفشلت فشلا ذريعًا فى أداء مهامها.. وليست عندها أفكار جديدة يمكن تبنيها خلال هذه الفترة أو فى المستقبل، لبناء دولة ديمقراطية صاعدة.. 
 فضلا عن أن هناك من سيقول (سواء من الرئيس مرسى أو جماعة الإخوان) إن التزامًا عليهم بإشراك عدد من الشخصيات التى شكلت الجبهة الوطنية، لحشد القوى الثورية للتصويت لصالح مرسى فى جولة إعادة الانتخابات ضد أحمد شفيق، باعتباره يمثل بقايا وفلول نظام مبارك.. وربما سيكون ذلك السبب فى التشكيل الحكومى أو الفريق الرئاسى ومساعد الرئيس ومستشاريه.. وهى من قبيل الحجج الواهية!! 
 إن ما جرى خلال الأيام الماضية.. وما يجرى الآن يؤكد بلا شك ضعف الكوادر التى يعتمد عليها الرئيس مرسى فى تشكيل حكومته أو فريقه الرئاسى، ولعل الأداء خلال الفترة الماضية يوضح ذلك، سواء على مستوى تسيير الأعمال اليومية، أو داخل مؤسسة الرئاسة نفسها.. ولعل ما يتناوله الزملاء الصحفيون المندوبون فى قصر الرئاسة يؤكد ذلك، من التخبط فى الأداء والقرارات، خصوصا فى ظل الخلط ما بين الحديث.. وبقايا مؤسسة مبارك.. وإن كان يجمع بينهما عدم الشفافية… ولعل التخبط فى قراره بإعادة مجلس الشعب المنحل والتعدى على حكم المحكمة الدستورية وانتهاكه.. ثم التراجع عن ذلك، يؤكد ذلك.
 ويمر يوم وراء يوم وراء يوم.. ولا زلنا في انتظار الحكومة.