كتاب سبر

جاء رمضان… لعلّكم تتقون

كعادة الضيوف المحبوبين والمقربين إلى النفوس يأتي “رمضان” سريعاً دون أن تشعر به ويغادر سريعاً دون أن تشعر به فهو لا يريد أن يسبب لك مزيد إزعاج ، وكعادة الأصدقاء غير الثقيلين فهو لا يزور إلا غبّا لعله أن يزداد حبّاً ، يطلبك أن تحسن ضيافته وأن تكرمه بجميل اللقاء فتأخذه بالأحضان وتضرب على ظهره بكفك وتقول له : إننا والله لك لمشتاقون ومنذ أن رحلت عنّا آخر مرة للقياك منتظرون ، لتسمعه يقول : (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم “لعلكم تتقون” ) .
ثمّ أجلسه حيث تشعر بأنه يليق به ذلك المجلس ، وليس أكرم له من أن تفتح له “ديوان” قلبك ليجلس في “صدر” مجلسك فينشرح بذلك “صدرك” ، وتجاذب معه بعدها أطراف الحديث ، فإن حديثه لا يمل ، ومستمعه لا يكلّ ، وكيف لا ؟! وهو كحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ، والأولى هي الأقرب دائما فرمضان “كريم” ، فلا تردنّ عطاياه وهباته ففيه يصدق قول الناس : “لا يرد الكريم إلا اللئيم” ، وبادره بالإكرام حتى تمتلكه شاهداً حين تحتاج لشهود فمن عادة الكريم أنك إن أكرمته ملكته “إذا أنت أكرمت الكريم ملكته” ، ورغ إلى “نفسك” لتجيء له “بعمل سمين” لعله يبيض وجهك أمامه ، وحاول إصلاح ما بينك وبينه وقل له سرّا : ليت الذي بيني وبينك عامرٌ ، ثم أردفها بأخرى علانية : إذا صحّ منك الودّ فالكل هيّنٌ ، لعلك أن تكون حينها قد بادرت باللحاق بركب المكرِمين المكرَمين ، فلا يغرنك بعدها المتخاذلون ، الذين هم في “تفريطهم” يعمهون ، وعلى عهدهم القديم قبل رمضان باقون ، وكأنهم لم يسمعوه وهو يقول : (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم “لعلكم تتقون”)
لا ترضَ منه بالقليل ، وأشبع منه نهمك على الخير ، وكن معه كما لم تكن عليه قبله ، فإنه إن ذهب قد لا يعود ، أو قد تكون أنت حينها برفقة الدود ، تتمنى لو عدت إليه يوماً واحداً لتكرمه حق إكرامه ، وتحسن إليه غاية الإحسان ، لتظفر منه بالأعطيات الجزال والتي أعلاها العتق من النيران والفوز بالجنان حين يبكي المضيعون ، ويتحسر اللاعبون اللاهون ، ويعض على أيديهم الظالمون ، لأنهم غفلوا عن قوله : (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم “لعلكم تتقون”) .
ثم اعلم أنه ضيف خفيف لا يطيل المقام يعلم أن فراقه “عيد” حقيقي لمن خاف الوعيد ، ومزيف لمن حصر معنى العيد في اللبس الجديد ، وأنك لو أقسمت عليه أو أغريته بطول المكث فلن يستجيب لك ، فهو عبد مأمور ، يأتي في وقت محدد ويغادر في وقت محدد ، ولا شيء عنده أفضل من أن تحسن وداعه كما أحسنت استقباله ، وأن تحتضنه في الآخرة كما احتضنته في الأولى ، وأن تطبع على جبينه قبلة مفادها : إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا على فراقك يا “رمضان” لمحزونون ، لتستمع إليه يردد وهو يغادر (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم “لعلكم تتقون”) .
ومضة :
ليكن شعارك في رمضان هذا العام مختلفاً ، وردّد مقولة الصحابي الجليل أنس بن النضر حين قال يوم بدر : والله ليرينّ الله ما أصنع ، فقل كما قال ودع الله عز وجل يفرح بصنيعك وهو سبحانه الغني عنك .
قبل الختام :
حين تمتليء مائدتك بأنواع شتى من الأطعمة والأشربة ، تذكر أن بالقرب منك من إخوانك البدون من لا يجد عشر ما تجد ، وأن الحكمة من الصيام الإحساس بشعور الفقير والظفر بعطية التقوى ، فتفقد حال إخوانك البدون ، وردد (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم “لعلكم تتقون”)