كتاب سبر

مقال ساخن
الحل في مجلس 2012

يقدم الزميل سعود العصفور، ناشر جريدة سبر، مقترحاً لحل الأزمة الحالية الخاصة بإحالة الحكومة لقانون الدوائر الخمس إلى المحكمة الدستورية للنظر في مدى دستوريته، ويقوم هذا المقترح على أساس الالتزام بالإرادة الشعبية الحرة التي تمثلت في انتخابات نزيهة أفرزت مجلس الأمة 2012 والذي تم تبطيله بحكم المحكمة الدستورية لأخطاء إجرائية حكومية لا يمكن لها أن تقلل من تمثيل تشكيلة المجلس المبطل لإرادة الأمة الحقيقية، وذلك عبر تشكيل لجنة لوضع النظام الانتخابي الجديد تتكون من جميع أعضاء مجلس 2012 بالإضافة إلى أعضاء الحكومة الحالية لتخرج بنظام انتخابي جديد يتجاوز المثالب الدستورية الموجودة في نظام الدوائر الخمس. سبر ترى المقال بداية لتبادل النقاش حول هذا المقترح أو أية مقترحات جديدة قد تفضي إلى توافق ما بين السلطتين لتجاوز الأزمة الحالية وتبعاتها.
الحل في مجلس 2012
أقرأها من اليمين إلى اليسار أو من اليسار إلى اليمين، أقرأها بأية لغة تود أن تقرأها بها، الصدام قادم لا محالة بين مشروعي السلطة والدولة، بين رغبة السلطة في “تهجين” مجلس الأمة و”تقليم” سلطاته التشريعية والرقابية بسلاح المحكمة الدستورية وبين رغبة الشعب في الانتصار لحقوقه الدستورية وعلى رأسها خياره الانتخابي في من لهم حق تمثيله في ميادين التشريع والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية. السيناريو كما أراه واضحا أمامي سيكون كالتالي: تجمع شعبي متوسط في 27 أغسطس يتبعه حكم للمحكمة الدستورية بعدم دستورية المادتين الأولى والثانية من قانون الدوائر الخمس، يتبعه بشكل تلقائي حل مجلس 2009 واعتباره كأن لم يكن وأنغماس البلد أكثر فأكثر في معضلة الفراغ التشريعي، لتصدر بعدها السلطة عبر أداتها التنفيذية مرسوم ضرورة لتحديد الدوائر الانتخابية بشكل يضمن تحقيق السلطة لـ “رغبتها” القديمة الجديدة، لتتصاعد الاحتجاجات الجماهيرية والمناداة بمقاطعة الانتخابات ورفع سقف المطالب الشعبية إلى ما يتعدى قدرة النظام والسلطة على تقديمه لنصل حتمياً إلى نقطة اللاعودة وهي النقطة التي يتصادم بها النظام مع الشعب في الشارع، وحينها قد تسيل، لا سمح الله، الدماء التي ستجعل خيار العودة والتراجع إلى المطالب الأولية مستحيلاً.
وحتى لا نصل إلى تلك المرحلة التي لا يمكن لأي متابع أن يتخيل أبعادها وشكلها وحجم فواتيرها على الوطن والمواطن وقبل ذلك على النظام، علينا أن نعي أنه لا حل يمكن أن يمنع حدوث مثل هذا التصادم إلا الحل السياسي القائم على إحترام إرادة الأمة، فلا تتوهم السلطة أنها ستنجح في قمع الشباب إذا ما خرج للشارع مطالباً بألا تتجاوز السلطة على حقوقه الدستورية وألا تتلاعب في النظام الانتخابي بما يضمن لها برلماناً لا يمثل الأمة تمثيلاً حقيقياً، ولا تتوهم المعارضة في المقابل بأنها ستنجح في معركة كسر العظم مع النظام والسلطة القضائية من دون أن تصل إلى مرحلة الكفر بالنظام والخروج على السلطة ومعاداتها وإدخال البلاد في معركة سياسية تدور أحداثها في الساحات والميادين ولا يمكن تحديد أثارها بشكل واضح أو محدد.
ولكي نصل إلى الحل السياسي المطلوب والذي كما حددنا بأنه لابد وأن يكون قائماً على أساس إحترام إرادة الأمة، علينا أن نضع بعضاً من المسلمات التي لا يمكن تجاوزها، وأولها أن إحالة الحكومة لقانون الدوائر الخمس إلى المحكمة الدستورية للنظر في مدى دستوريته هي وإن كانت المراد بها باطلا إلا أنها “حق”، فالدوائر الخمس تفتقد لمقاييس العدالة في التوزيع بين الدوائر الانتخابية بشكل يخل في مبدأ المساواة بين الناخبين مما يجعل صوت ناخب في الدائرة الثانية على سبيل المثال يساوي ثلاثة من أصوات الناخبين في الدائرة الخامسة، ولذلك كانت المطالبات بالذهاب إلى الدائرة الواحدة تحقيقاً لمبدأ العدالة حاضرة ضمن تصريحات المعارضة بأغلبيتها النيابية دائماً، ونوايا الباطل السلطوية لا يمكن لها أن تلغي من الإعتبار ذلك الحق.
الأمر الآخر في الجانب الحكومي والذي يجب أن يوضع في الحسبان هو أن هذه الحكومة هي ذاتها من نقضت المحكمة الدستورية قبل اسابيع مراسيمها بحل مجلس 2009 والدعوة لانتخابات مجلس 2012 في ما اعتبرته المحكمة خطأ إجرائياً تسببت به الحكومة وفريقها القانوني، ومعه اصبحت الحكومة في وضع لا يسمح لها بتلقي الصفعة مرة أخرى من خلال إجراء إنتخابات برلمانية في ظل قانون تشوب دستوريته بعض المثالب التي قد تعجل في نقض المحكمة مرة أخرى لأي انتخابات قادمة، ومثلما يقول المثل العراقي الجميل “اللي تلدغه الحية يخاف من جرة الحبل”.
هذا ما كان على الجانب الحكومي، أما على الجانب الشعبي والنيابي، فأهم النقاط التي لا يمكن تجاوزها هو أن المحكمة الدستورية بحكمها الشهير والذي حل مجلس 2012 كانت تحكم بشكل مباشر على “إجراءات” الحكومة ولم تكن تحكم على “إرادة الأمة” واختيارها، فمجلس 2012 وإن أتى، حسب حكم المحكمة، بإجراءات حكومية خاطئة إلا أنه أتى أيضاً وفق آلية انتخاب صحيحة وشرعية وجرى وسط انتخابات حرة نزيهة يمكن أن نعتبرها “الأكثر نزاهة” في تاريخ الكويت السياسي، وعليه فتشكيلة مجلس 2012، رغم تبطيله، بأغلبيته وأقليته ومستقليه، هي الأقرب للتمثيل الحقيقي للإرادة الشعبية الحرة والتي لا يمكن لأي لجنة تشكلها الحكومة مهما كبرت أو صغرت أو تعددت أطيافها أن تدعي تمثيلها الإرادة الشعبية بشكل يفوق هذه التشكيلة، وأي تجاوز لها في تحديد شكل النظام الانتخابي القادم هو تجاوز للإرادة الشعبية وللأمة التي هي دستورياً مصدر السلطات جميعا.
لذلك إذا أرادت السلطة، نظاماً وحكومةً، وأرادت المعارضة، أغلبية وحركات سياسية، الوصول إلى حل سياسي ممكن لهذه الأزمة التي يمكن لها أن تقود البلاد إلى ما لا يحمد عقباه أن يكون الحل السياسي القادم قائم على تشكيل لجنة لصياغة النظام الانتخابي الجديد تتكون من “كامل” أعضاء مجلس 2012 المنتخب بإرادة شعبية حرة و”كامل” أعضاء الحكومة الحالية لوضع النظام الانتخابي الجديد وتجهيزه ليصدر بمرسوم ضرورة في حال حسمت المحكمة الدستورية أمر قانون الدوائر الخمس وقضت بعدم دستوريته، ورفض الحكومة لمثل هذا الاقتراح يؤكد اتهامات خصومها لها برغبتها بالتفرد بوضع نظام انتخابي جديد لمجلس أمة “مهجن”، بينما رفض المعارضة سيكون بمثابة التنصل من القوى السياسية عن تحمل دورها الوطني في مرحلة حساسة وحرجة من تاريخ هذا الوطن.
سعود عبدالعزيز العصفور
@SaudAlasfoor
salasfoor@sabr.cc