كتاب سبر

فقه العيون

قال تعالى : (فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت) صدق الله العظيم
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(جمود العين من قسوة القلب)
وقال الشاعر :
إن العيــــــــون لتبدي في نواظرها
ما في القلوب من البغضاء والإحن
وقال آخر :
العين تبدي الذي في قلب صاحبها
من الشناءة أو حـــــــــــــبٌ إذا كانا
إن البغيض لـــــــه عينٌ يصـــدقها
لا يستطيــع لما في القلب كتمانا
فالعين تنطق والأفــــــواه صـــامتةٌ
حتى ترى من صميم القلب تبيانا
نعم إن العيون ليست وسيلة فقط لرؤية الخارج بل هي وسيلة بليغة للتعبير عما يجوب في الداخل، أي ما في النفوس والقلوب ونقله للخارج !
فهناك النظرات القلقة المضطربة، وغيرها المستغيثةُ المهزومةُ المستسلمة، وأخرى حاقدة ثائرة، وأخرى ساخرة، وأخرى مصممة، وهناك نظرات سارحة لا مبالية، وكذلك مستفهمة وأخرى محبة، وهكذا تتعدد النظرات المعبرة وقد سمى القرآن بعض النظرات (خائنة الأعين) !
والإنسان في تعامله مع لغة العيون يتعامل معها كوسيلة تعبير عما في نفسه للآخرين، وكذا يتعامل معها كوسيلة لفهم ما في نفوس البشر، وقد كان الجاحظ فخوراً بمهارته في قراءة لغة العيون .. فهو يقول في كتابة البيان والتبيين ((إني لأعرف في العين إذا عرفت، وأعرف فيها إذا أنكرت، وأعرف فيها إذا لم تعرف ولم تنكر، أما إذا عرفت فتحوص أي (تضيق)، وأما إذا أنكرت فتجحظ، وأما إذا لم تعرف ولم تنكر فتسجو)) ، وإذا كان الجاحظ يتكلم عن خبرته في لغة العين عامة، من غير تخصيص شأنٍ بعينه، فإن ابن حزم على غير ذلك، فهو يبدي مهارته في معرفة لغة العين (الرومانسية) ويصف نظرات العين وحركاتها وما تدل عليه في حال الوقوع في الحب، مثل (إدامة النظر دليل على التوجع والأسف، وكسر النظرة آية الفرح، وتفتير النظرة إعلام بالقبول .. إلى ماله آخر في طوقه الشهير) !
أعد خبراء أمريكيين في مركز بوسطن للإستشارات النفسية دراسة عشوائية على 2500 حاله مختلفه من الناس أكدوا خلالها أن 7% فقط من الرسالة المراد إيصالها تصل عبر الكلمات، وأن 93% منها  تصل بواسطة الإيحاءات الجسدية وتعابير العيون .. أي لغتي (الجسد والعين) ، وتُجمع دراسات عالمية أخرى على أن هناك سبعة تعابير رئيسية للعيون تكاد تكون عامة لدى جميع الشعوب وفي جميع الثقافات، وأن هذه النظرات هي على الأغلب تعابير فطرية وليست مكتسبه إذ هي تتكرر بتكرر المواقف الموجبة لها على نحو نمطي !
إن العيون إذا نهلت من نبع القلب، استنارت وفاضت، و أروت الأرض بماء الإيمان، فإذا بالبصر يفتح طريق الفؤاد، وإذا بالسّمع يشقّ طريقه إلى السماء، فالعين مرآة النفس وجمال الوجه وأسرار القلب، ولكنه ومع الأسف الشديد، أصبحنا اليوم لا نكترث سوى بما تطرب له مسامعنا وتستلذ بمشاهدتِهِ نظراتنا نحن .. نحن فقط، فـ في أحيان كثيره هناك ما يؤرق الأم والأب، وما يزعج الأخ والزوجه، ويؤلم الصديق والجار، ولا يرغب أي من هؤلاء الحديث أو الفضفضه عن ماهو فيه من إكتراث، فتتطلب اللحظه مبادرة الحبيب أو القريب .. ولكن كيف السبيل؟ كيف نبادر ونحن أميين في ترجمة لغة العيون، تشُدُ إنتباهنا الدموع ولا نكترِثُ إلى الحزن، يُزعِجنا مشاهدة الرمد ولا نبالي بالمرض، نخشى العمى بالرغم إصابة قلوبنا به في معظم الأحيان، نعم أميين .. أميين في ترجمة لغة لا تحتاج إلى الخبره والدراسة والإكتساب، وإنما إلى القليل من التركيز والمبالاة !
                        ******** 
الشاهد :
من عيوني خذ مــــــراسيل الغرام
كان تفهم في لغة حب العيون